مدونات

الدولة الاستبدادية بين الصلابة الخاوية والهشاشة الفارغة

جيتي
مارست الدولة الاستبدادية العربية قهرا وعسفا وقمعا لا مثيل له في التاريخ على الشعوب والمجتمعات في العالم العربي، وأظهرت نفسها وكأنها دولة راعية للاستقرار والأمن والأمان، ولكن كانت تعاني عجزا بنيويا مخفيا وراء الأمن والأمان؛ بسبب أنها لم تكن تمسك المجتمعات العربية بالرخاء الاقتصادي ولا بالتماسك القانوني ولا بالنجاعة الديمقراطية، وإنما كانت تمسك هذه المجتمعات عبر سلك الأمن والمخابرات والشرطة، لذلك عندما بدأت ثورات الربيع العربي بالظهور في العالم العربي ارتجف الحاكم العربي الطاغية وارتعد خوفا وهلعا من اهتزاز كرسيه وصولا إلى سقوط نظامه.

كانت الدولة الاستبدادية العربية قبل انطلاق ثورات الربيع العربي تبدو مستقرة أو أنها كانت تُظهر أن نظامها مستقر، وكان هذا في الحقيقة استقرارا مخاتلا ومخادعا وموهوما لأنّ البنى المجتمعية كانت في حالة جمود وركود كبيرين، وكانت الثقافات الفرعية الإثنية والدينية والطائفية والعشائرية مقموعة ومحرومة من التنفس الطبيعي تحت سياط القمع البوليس والأمني للنظام الاستبدادي العربي، لذلك كانت اللوحة المجتمعية تبدو مستقرة.

ولعل هذا الاستقرار الشكلي كان يفيد هذه الأنظمة لأنها كانت أنظمة فاسدة، إذ تنهب مال المجتمع ومال الشعب وتحرم الشعب من خيرات البلد. وكانت الدولة الاستبدادية تُظهر نفسها وكأنها دولة صلبة وقادرة على إدارة المجتمع وإدارة العلاقات الديبلوماسية الخارجة بكل قوة وتمكن، ولكن في الحقيقة كانت تقبض على جمر أوقف عن الاشتعال بفعل سوط القمع وسيوف القهر وأحزمة التفقير والتبئيس الشعبي العام.

لقد أظهرت هذه الدولة بعد الربيع العربي هشاشة لا نظير لها وضعفا غير مسبوق، وانهارت القوى الأمنية تحت ضغط المظاهرات الشعبية العارمة، فسرعان ما انهارت هيبة الدولة الاستبدادية، وكشفت عن قناعها الأمني، وترك الدكتاتور السلطة إما هاربا أو مسجونا أو مقتولا، وفي أفضل الحالات بقي كأنه مختار حي من أحياء العاصمة مع انهيار قوى الأمن والجيش، واحتلال البلد بجيوش دول أخرى وجلب مليشيات طائفية بهدف قتل الثوار وإفشال الثورة، كما في الحالة السورية.

إذن لم تكن الدولة قوية قبل ثورات الربيع العربي، إنما كانت تتصف بالهشاشة المبطنة التي تظهر وكأنها تتصف بالصلابة لكنها كانت في الحقيقة صلابة خاوية.