مدونات

حرب أوكرانيا في الذكرى الثانية

حرب أوكرانيا- جيتي
"حرب القرم بين المصداقية والعدمية"

هذا عنوان مقال تحدث استشرافا عن حرب القرم تصادف نشره يوم 24 شباط/ فبراير 2022، وهو التاريخ الذي دخلت فيه القوات الروسية إلى أوكرانيا، وقلنا فيه إن القوات الروسية ستتوقف في ضواحي كييف لتبدأ مفاوضات يفترض أن تقود لحل، أو أن هنالك حالة صفرية تتفاقم لتمتلك القرار؛ الذي قد يؤدي إلى حرب عالمية لا تكون تقليدية، واستمر الحال حتى أوضحه لقاء الرئيس بوتين مع الصحفي الأمريكي تاكر كارلسون، فقد بيّن اللقاء كثيرا من الأمور التي أزالت غموضا يسمح بتفسير الماضي واستشراف الحدث في المستقبل.

روسيا مدركة لدورها الوظيفي على مضض

من الواضح أن هنالك خيبة أمل روسية من حالة الجفاء الاستراتيجي التي يقابل بها الروس كلما حاولوا التقارب مع الغرب، باعتبارهم وريث الاتحاد السوفييتي لكن بلا شيوعية، وهذا التبرؤ من الشيوعية كان واضحا في حديث السيد بوتين بأنه كان بنيّة حياة جديدة تفتح التفاهم والغرب وليس للتخلي عن القطبية، من خلال استعراضه للقاءاته مع الرؤساء الأمريكيين وطرحه إنشاء منظومات دفاعية شرقية وغربية؛ لكنهم بدوا أنهم ليسوا صناع السياسة الأمريكية أو لهم القدرة على تنفيذ رؤيتهم الخاصة في هذا الاتجاه. وهو سيف ذو حدين، فمن ناحية أنه عمل مؤسساتي استراتيجي (دولة ودولة عميقة)، ومن ناحية أخرى أن الحديث مع الرؤساء ليس للخروج بقرارات ناجعة أو مصيرية في العلاقات الدولية أو بناء الاستراتيجيات، وإنما على من يطرح أمرا ألاّ يتفاءل بالجواب الفوري بل ينتظر اللقاء التالي أو الرسالة ما بعد اللقاء الأول.

أدرك يلتسين وبعده بوتين أن الأمر يتطلب أكثر من وراثة رسمية لمكانة الاتحاد السوفييتي، فهذه الدولة تحتاج أن تكون قوة اقتصادية وصناعية بلا كوابيس أو مفاجآت، لكن العقيدة السبرطية الأمريكية ترى أن انحلال الاتحاد السوفييتي ليس لأنه يريد حياة جديدة تعتمد على السوق والصناعة وإنما خسر المطاولة وركع فعليه الخضوع الأبدي أو العقاب.

روسيا كانت تفكر بتقاسم العالم بين محورين، لكن روسيا ليست لهذا الدور إطلاقا وطموح بوتين ليس من استراتيجية الولايات المتحدة وإنما في التكتيك كدوره في سوريا أو ربما العراق أو غيرهما، كفاعل وليس كقطب دولي، فالأمريكيون لا يفكرون في تقاسم العالم أو العمل معا بتنسيق عسكري استراتيجي

ما يريده بوتين من تعاون ليس ممكنا. ما السبب؟ الصين دعمها الغرب بخطوط صناعات فاتكل عليها بدل أن يأسرها. فقد كانت الغاية لتسوير الاتحاد السوفييتي بالحلفاء بكل الوسائل التقنية؛ وربما لم يبق من هذا السور إلا الهند (التي تتجه إلى محور أمريكا بعد أن كانت تمسك العصا من وسطها) وكوريا الجنوبية؛ بيد أن الصين لم تك أداة لضرب الاتحاد السوفييتي وإنما استفادت الصين لبناء الدولة التي نراها اليوم، وقد بنت اقتصادا ضاربا وقوة عالمية منافسة مستقلة غير مضمون الصراع معها، وهي لا تريد الصراع واللعب باستقرار نسبي لمليار ونصف إنسان أو يزيد، لكن الغرب لا ينوي تكرار الخطأ مع روسيا.

لم يفكر الأمريكيون بإقامة علاقات رباعية بينهم وأوروبا والصين وروسيا، فهذا سيؤثر على المنافسة الحرة في السوق الرئيس وهو الدول المتخلفة، وهي طبيعة النظام الرأسمالي الصناعي، ولهذا فان البقاء يعني سلطة القوة، والولايات المتحدة سلطتها هي القوة العسكرية التي تحمي الدولار الذي هو عمليا المسيطر على الاقتصاد، لكن الدولار كما قال بوتين يدخل المعركة اليوم بدون تفكير بعيد المدى أو يستقي تجربة الحرب، وهذا سيجعله معرضا للإبدال كما حصل بإبدال الدولار بالروبل فارتقى الاقتصاد رغم الحرب.

إثارة القلق ودعم المتمردين ودعم أوكرانيا الآن يعد مشكلة هي مصلحة عند الأمريكان. الصين وكوريا الشمالية تراقبان الحدث لكن لن يكون من صالحهما تلاشي روسيا كقطب دولي وإن كان وهميا كما هي حقيقة تصميم وجوده، لذا فإن كسر العظم مسألة تحتاج نظرا عميقا.

تقاسم العالم

روسيا كانت تفكر بتقاسم العالم بين محورين، لكن روسيا ليست لهذا الدور إطلاقا وطموح بوتين ليس من استراتيجية الولايات المتحدة وإنما في التكتيك كدوره في سوريا أو ربما العراق أو غيرهما، كفاعل وليس كقطب دولي، فالأمريكيون لا يفكرون في تقاسم العالم أو العمل معا بتنسيق عسكري استراتيجي كبناء سلاح، أو الاتحاد بحلف عسكري، أو التفاهم حول النفوذ في أسواق التكنولوجيا والتقنيات. وهذه النقطة غير حقيقية في التفكير الأمريكي ويمكن أن يناور بها الروس لإسقاط عوامل القوة كالهند وحكومتها المتجهة نحو الأمريكان، أو التفكير بالتكامل الصناعي مع الصين ودول نامية مؤهلة لاستقبال التقنيات كالسعودية، ويمكن أن تحمي روسيا أجواءها لتفريغ منتجات المعامل الإلكترونية، لكن هذا لا يأتي بيوم وليلة، الدول النفطية ما زالت متمسكة بالدولار ولا نية عندها لاستخدام عملة خاصة لبيع واستيراد أو أية معاملات تجارية والعالم، فبالتالي ما زالت كما كانت دائما كفة الولايات المتحدة وجناحها الأطلسي مسيطرا على الساحة لأي حدث.

مآل حرب القرم

بعد أن اقتنع بوتين بسحب قواته من محيط كييف للبدء بتفاوض يحفظ كرامة كييف أسقطت كل الاتفاقات الشفوية معه، أو هكذا قال؛ هنالك جرح وإحساس بالاستهانة، وان كان حاليا يوازن اقتصاده وما تستنزفه الحرب، وجمود الحالة ككل، فإن صراع القوى والنفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا سيجعل الأطراف أمام "حلول صفرية"
الوضع ربما أكثر ميلا لحرب شاملة مع اختلاف اللغة التقليدي بين الشرق والغرب، لأن بوتين في زاوية ميتة وقد استنفد الأمل بقبول الغرب الأمر الواقع ويريدون منه الاستسلام والخضوع له، وهذا مستحيل
بعد هذه المدة من "الحالة الصفرية" وبلا حلول. وربما لا يبقى أمام بوتين إلا خيارات محدودة؛ الضغط على زر حرب نووية غير معلومة لمن ستحسم وكيف ستحسم مع الأسلحة المتطورة وبعضها دون شك نجهله (وهذا احتمال جدي يتجاهله الغرب)، أو انه سيصل إلى مفترق طرق للتفاوض على إبقاء منفذ على البحر الأسود وربما يعزز سيعزز سيطرته على جنوب أوكرانيا في الفترة القادمة استعدادا لمفاوضات.

أما الانسحاب إلى داخل روسيا وهذا مستبعد جدا إلا بغياب بوتين نفسه ووعود ألا يترتب على روسيا أي عواقب أو متابعة عسكرية أو قانونية، فإن هذا كرد فعل سيؤدي لاندثار روسيا تماما باستسلام خفي، وهذا يعرفه من حول بوتين. وربما تغييب بوتين يحتاج بدائل واحتمالات منها احتياط لمنع تفكك روسيا بعملية جراحية.

الوضع ربما أكثر ميلا لحرب شاملة مع اختلاف اللغة التقليدي بين الشرق والغرب، لأن بوتين في زاوية ميتة وقد استنفد الأمل بقبول الغرب الأمر الواقع ويريدون منه الاستسلام والخضوع له، وهذا مستحيل.

الحل الأمثل أن يعطى بوتين منفذا على البحر الأسود (القرم)، وأن تعتبر أوكرانيا بلدا محايدا ومعترفا بتقاربه مع الروس.