صحافة دولية

"ديلي تليغراف": هكذا أصبحت "غينيس" في خدمة الإمارات ودول ديكتاتورية أخرى

لفت التقرير إلى تورط غينيس مع دول لها سجل قاتم في حقوق الإنسان- غينيس/ الموقع الرسمي
نشرت صحيفة "ديلي تليغراف" تقريرا أعدته روزا سيلفرمان، تحدثت فيه عن الأسباب التي أدت إلى تورط كتاب غينيس للأرقام العالمية مع الأنظمة الديكتاتورية وذات السجل القاتم في حقوق الإنسان. 

وذكر التقرير أنه "في عام 1955 صدر كتاب غير روائي تحول إلى ظاهرة نشر عالمية ولعقود قادمة، وعنوان الكتاب هو كتاب غينس للأرقام العالمية، كما عرف في حينه، وقد امتلأ الكتاب بالمآثر والحقائق من عالم الإنسان والطبيعة. ومنها أعلى جبال في العالم وكذا أطول رجل في العالم (الأمريكي روبرت والدو الذي بلغ طوله 8 أقدام و11 بوصة ولا يزال حامل الرقم حتى الآن).

ولم يفت معدي الكتاب ذكر بقرة الفيرزيان البريطانية التي حملت الرقم القياسي في معدل الحليب الذي درته طوال الحياة. وأشار الكتاب إلى أصغر حانة في العالم. وخلال عام من صدوره، بيعت منه 187,000 نسخة ليزيد العدد في أقل من عام إلى مليون نسخة. وتحول الكتاب إلى ظاهرة نشر عالمية لدرجة أن طبعة عام 2023  حصلت على المرتبة الأولى في قائمة مبيعات الكتب في أعياد الميلاد، أما طبعة عام 2024 فحلت في المرتبة الثانية، وفقا للتقرير.

وقالت الصحيفة إن الذين نشأوا وكبروا في فترة السبعينيات والتسعينيات من القرن الماضي، ربما تذكروا برنامج المسابقات "ريكورد بريكرز" (محطمو الأرقام) ، وهو برنامج أطفال بث على مدى 276 حلقة وضمن ثلاثين سلسلة. 

 وعندما بث في عام 1972، كان مقدمه روي كاسل الذي انضم إليه في تقديمه الشقيقين التوأم روس ونوريس ماكرايتر، معدي الكتاب والرياضيين السابقين المغرمين بارتداء البدلات بنفس طريقة روي.  

وبهذا التاريخ الحافل من التشويق، يدور السؤال حول كيفية تحول هذا الشكل المريح - كتاب يحتوي على الغرائب والعجائب والحقائق وسلسلة تلفازية للأطفال - إلى متورط في اتهامات "تبييض الأنظمة القمعية"؟ .

ففي الشهر الماضي، نشرت صحيفة "التايمز" تقريرا قالت فيه إن الشركة وراء الكتاب حصلت على أموال من حكومات ديكتاتورية مقابل تضمين رسائل إيجابية عن "إنجازاتها في تحطيم الأرقام".

وذكرت الصحيفة أن "غينيس للأرقام القياسية" منح قبل فترة شهادات تحطيم أرقام لعشر سجلات من السعودية وأن البلد زاد عدد الأرقام وبسرعة منذ عام 2019. وضمت الأرقام القياسية "أكبر درس في حقوق الملكية" و"أصغر لعبة غولف خضراء عائمة". وتضم السجلات الأخرى الموثقة للبلد على موقع غينيس للأرقام القياسية على الإنترنت و"أكبر عدد من الأشخاص يحملون لافتة في لعبة تداول فيديو" و"أكبر عدد من المنتجات المعبأة" وكذا أكبر عدد من الأشخاص الذين اشتركوا في لعبة فيديو وهم يستخدمون جهاز قياس الضغط، المسجل في عام 2022. وإن كان لديك  فضول لمعرفة موقع أكبر محطة تحلية مياه بالتقدير متعدد الآثار (من حيث القدرة)  فقد سجل في السعودية عام 2023.  

وذكرت صحيفة "ديلي تليغراف" أن الإمارات العربية المتحدة حققت جيدا في سجل الأرقام، فكم عدد المشاركين في جلسة أمن إلكتروني باستخدام الألعاب؟ ( رقم قياسي سجل العام الماضي في أبو ظبي)، أو عدد التوقيعات التي ظهرت على لفافة (سجلت شرطة أبو ظبي هذا الرقم عام 2018).  

وتم تسجيل هذه الأرقام و 526 رقما قياسيا آخر بعدما دفعت الإمارات الملايين من الدولارات على استشارات مدفوعة الأجر من غينيس للأرقام القياسية.  

وربما  اندهش القلقون من صناعة البلد الأحفورية وتلوث الهواء عند  اكتشافهم أنها حققت في عام 2022 السجل الأطول عبر أطول طريق للدراجات الهوائية. وعندما يتعلق الأمر بالانسجام الاجتماعي فما عليك إلا النظر للرقم القياسي الذي سجلته الإمارات في 2021 حول القصيدة التي قرأها أكبر عدد من الجنسيات المختلفة، وفقا للتقرير. 

وتقول الصحيفة إنه ربما بدت بعض هذه الأرقام القياسية مجنونة أو مملة، فالسؤال هو إن كانت تحقق بالنسبة للدول التي سجلتها شيئا أبعد من إنجازات تدخل سجل غينيس للأرقام القياسية.

وأشارت منظمة  العفو الدولية "أمنستي"، إلى واقع الناس الذين يعيشون في  السعودية والذين يحرمون من حقوق الإنسان الأساسية وتقيد حريتهم في التعبير ويعاقبون بشدة. وفي مقال هذا الشهر بعنوان "10 طرق تنتهك فيها السعودية حقوق الإنسان"، ذكرت المنظمة زيادة الإعدامات والتمييز ضد المرأة والمحاكم غير العادلة والتعذيب أثناء الاعتقال.  

وحذرت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، من أن الإمارات تستثمر في استراتيجية "لرسم صورة عن بلد تقدمي ومتسامح ويحترم الحقوق في وقت يقوم فيه بتطبيق سياسة صفر تسامح مع المعارضين". وهو ما يشير إلى اتهامات تبييض الصورة. 

 وحذر الأكاديمي البريطاني ماثيو هيجيز الذي اتهم ظلما بالتجسس على الإمارات لصالح الحكومة البريطانية وسجن وعذب في 2018، من أن منح هذه الدول أرقاما قياسية يصل إلى حد إضفاء "الشرعية الثقافية" عليها.

ونقل التقرير عن الأكاديمي البريطاني، قوله إن "هذا مثال آخر عن تأثير القوة الناعمة القادمة عبر المجتمعات الغربية" وحيث "تستخدم الدول الأوتوقراطية نفوذها المالي الكبير للحصول على شرعية سياسية، وهذا خطير وخطأ على عدة مستويات" و"يمكنك تفهم أن النموذج التجاري لـ [غينيس للأرقام القياسية] يتغير ولكن عندما تقدم مساحة للأتوقراطيين لكي يحتفلوا بإنجازاتهم، فإن هذا يضر بسمعة ونزاهة كل المشروع".  

ووفقا للتقرير، فإن غينيس للأرقام العالمية لا تخفي رغبتها في تغيير نموذجها التجاري، ففي عام 2015، قال سام في، نائب استراتيجية الماركة العالمية في غينيس حينها، إنه من أجل التكيف مع التحديات التي تواجه عالم النشر، مثل تراجع الكتاب ومبيعاته، فعلى غينيس "زيادة تدفق الموارد الجديدة بالحد الأقصى والترويج للتجارة بأنها أكثر من مجرد كتاب".  

ونتيجة لهذا، فقد نوعت الشركة نشاطاتها ولديها فريق تجاري لخلق حملات خاصة ومناسبات حية للعلامات التجارية التي تريد تعزيز التسويق والعلاقات العامة من خلال تحطيم الأرقام.  

وبعد أربعة أعوام من التحول، تساءلت منظمات حقوق الإنسان عن أخلاقيات المنظمة وبعدما اتهمها الكوميدي جون أوليفر بمساعدة النظام الديكتاتوري في تركمانستان، فقد حقق البلد 19 رقما قياسيا بما فيها "أكبر عدد من النافورات في الساحات العامة" و"أكبر سقف على شكل نجمة". 
 
ويشير التقرير إلى أن السياسة منغمسة في القصة الأصلية لغينيس للأرقام العالمية، ففي عام 1975 قتل روس ماكرايتر برصاص الجيش الإيرلندي المؤقت، بعدما خصص 50,000 جنيه لمن يدلي بمعلومات عن مفجري الجيش الإيرلندي الحر. وساعد روس في تنسيق محاكمة الناشط المعادي للفصل العنصري في جنوب أفريقيا، بيتر هين. وبعد وفاته أصبح نوريس صوت "الجمعية الوطنية للحرية" والتي شنت حملات ضد النقابات العمالية وحقوق المثليين والعقوبات ضد نظام جنوب أفريقيا العنصري. وطالب بوقف نظام الصحة الوطنية والتعليم الحكومي.

وهي مواقف لا علاقة لها ببرنامج موجه للأطفال. لكن الشركة وخلال 70 عاما من عمرها تداولها عدد من الشركات، وفي عام 2008 لمجموعة جيم باتيسون الكندية والشركة الأم لريبلي إنترتينمنت، التي أعلنت في 2009 عن خدماتها الاستشارية لمساعدة العملاء في دمج "رسائل رئيسية وقيم علامات تجارية والتوصل إلى حملة قياسية من أجل إشراك الجمهور بالأصالة". ومن يدفعون مقابل الاستشارات يحصلون على خدمة ملء الاستمارات لمساعدتهم في تحقيق الأرقام، أو كما يسميها غينيس للأرقام القياسية: "سيعملون على تحقيق أقصى قدر من النتائج المرغوبة بحلول خاصة تتماشى مع أهدافك"، بحسب التقرير.

ويذكر التقرير أن خدمات الاستشارة تعتبر اليوم أهم مصدر للدخل وأعلى من ذراع النشر. وتشير أرقام 2022 إلى أن الشركة حصلت على 12.37 مليون من الاستشارات و12.32 مليون من النشر. وقالت إن من 223 رقما قياسيا تحت اسم السعودية، 135 جاءت من خلال استشارات مدفوعة.

وفي الوقت نفسه يخشى الأكاديمي البريطاني هيجز من أن الإمارات تستطيع "الإشادة" بسجلاتها و"حرف النظر" عن مظاهر القلق المتعلقة بنشاطاتها القمعية. وهي معروفة، لكن الخطر نابع من الاحتفال بنشاطات ملتوية أو بيئية أو اجتماعية تقدمية ـ وقد يكون البلد كذلك، لكن الإمارات ربما نجحت في تغيير السرد، كما يقول هيجز "وحرف الانتباه عن المواضيع التي يجب أن تكون في المركز والمقدمة"، وفقا لما نقله التقرير.