سياسة دولية

لماذا تواجه الجامعات الأمريكية موجة قمع في أرض "الحرية والديمقراطية"؟

لا ينبغي لنا أن نشك في أن الهجمات الحالية على الجامعات الأمريكية تمثل انتصارا سياسيا كبيرا لليمين المتطرف- إكس
أكد أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورجيا، كاس مود، أن الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية تسببت في صدمة كبيرة حول العالم.

وفى مقال لـ "مود" نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، بعنوان "لماذا تواجه الجامعات الأمريكية موجة قمع في أرض الحريّة؟"، عبر الكاتب في عما أصاب الناس من صدمة في جميع أنحاء العالم بعد مشاهدتهم لقطات وسائل الإعلام الاجتماعية لضباط إنفاذ القانون المدججين بالسلاح وهم يعتقلون الطلاب والأساتذة المحتجين سلمياً في حرم الجامعات الأمريكية".

وأوضح المقال أن "ما يسمّى أرض الأحرار وموطن الشجعان، لا تبدو حرة ولا شجاعة، باستثناء المتظاهرين الشجعان الذين يواصلون الوقوف في وجه قمع الدولة والجامعات".

وتابع: "على الرغم من أن القمع الحكومي لاحتجاجات الطلاب لا يقتصر على الولايات المتحدة أو في هذه الفترة بالذات، فإن العربدة الحالية من قمع الدولة هي إلى حد كبير مثال على الأزمة الحالية للديمقراطية الليبرالية التي تتعرض للضغط من قبل كل من اللاليبرالية والليبرالية الجديدة".

واسترسل بالقول إنه منذ عملية حماس على دولة الاحتلال الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ظلّت العديد من الجامعات في حالة من التوتر. ومع وصول الانتقام الإسرائيلي في غزة إلى ما أسمته الأمم المتحدة مستويات الإبادة الجماعية، بدأت الاحتجاجات الطلابية تظهر في بعض الجامعات.

وعلى الرغم من وقوع حوادث مثيرة للقلق تتعلق بمعاداة السامية، وكراهية الإسلام، فإن الاحتجاجات بشكل عام ليست معادية للسامية وليست عنيفة. ومع ذلك، هجم عليهم اليمين المتطرف لتكثيف هجومه على الجامعات.

وأردف: "قد صوّر اليمين المتطرف الجامعات على أنها مرتع للمتعاطفين مع الإرهابيين، والصحوة التي تهدد القيم الأمريكية الأساسية مثل حرية التعبير. في الدعاية اليمينية المتطرفة، تمثل الجامعات المستقبل البائس للبلد بأكمله، حيث تقوم النساء وغير البيض وأفراد مجتمع الميم بقمع الأمريكيين الحقيقيين، أي المحافظين المسيحيين البيض".

وأوضح: وقد أتت دعايتهم بثمارها، عندما أطلق دونالد ترامب حملته الانتخابية، لم تكن الصورة العامة للجامعات في الولايات المتحدة في حالة جيدة أصلا.

ففي عام 2015، كانت أغلبية متواضعة تبلغ 57 في المئة من الأمريكيين تتمتع بثقة "كبيرة" أو "كبيرة جدا" في التعليم العالي. ومنذ ذلك الحين، انخفضت الثقة إلى 36% فقط في عام 2023. وعلى الرغم من أن الانخفاض الأكبر كان بين الجمهوريين (-37 في المئة)، إلا أن الثقة انخفضت أيضا بين المستقلين (-16 في المئة) والديمقراطيين (-9 في المئة). وهذا ليس مفاجئا، نظرا للكيفية التي يتم بها تضخيم نقاط الحديث اليمينية المتطرفة بشكل محموم من قبل وسائل الإعلام "الليبرالية" مثل أتلانتيك ونيويورك تايمز.

ومن المفارقات أن عدم التوافق بين التصور والواقع لا يمكن أن يكون أكبر. لقد كانت الأوساط الأكاديمية دائما صناعة محافظة تماما، ونادرا ما كانت الجامعات بؤرا للتطرف، خاصة في شمال العالم. ولكن منذ ظهور الجامعة النيوليبرالية في الثمانينيات، أصبح التعليم العالي سلعيا للغاية وتحولت الجامعات إلى "مصانع تعليمية"، يديرها إداريون محترفون على أساس مبادئ السوق.

على الرغم من وجود اختلافات جوهرية في الاعتماد المالي والسياسي بين الجامعات الخاصة الغنية بشكل كبير مثل جامعة هارفارد، التي تبلغ هباتها ما يقرب من 50 مليار دولار، والجامعات العامة الأكثر فقرا مثل كليات المجتمع العديدة في جميع أنحاء البلاد، فإن المنطق النيوليبرالي للتعليم العالي المعاصر جعل مديري الجامعات يخضعون على نحو متزايد للمانحين الحازمين من القطاع الخاص والسياسيين العامين (الذين يدافعون في الغالب عن قضايا يمينية).

إن ما يميز الاحتجاجات الطلابية الحالية عن قمع الدولة ليس فقط شدتها بل نطاقها. في حين أن هجمات اليمين في العقد الماضي استهدفت بشكل أساسي الكليات العامة في الولايات التي يهيمن عليها الجمهوريون مثل فلوريدا، فقد شهد الأسبوع الماضي قمعا حكوميا للطلاب المحتجين في مثل هذه الجامعات (مثل جامعة تكساس في أوستن)، ولكن أيضا في الجامعات الخاصة في الولايات المتحدة. 

وأضاف، بأن الولايات التي يهيمن عليها الجمهوريون (مثل جامعة إيموري في أتلانتا)، وحتى في الجامعات الخاصة في الولايات التي يحكمها الديمقراطيون (مثل جامعة كولومبيا وجامعة جنوب كاليفورنيا).

كانت إشارة البداية للقمع الحالي هي جلسة الاستماع في الكونغرس حول معاداة السامية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حيث قام السياسيون الجمهوريون باستجواب ثلاثة رؤساء مرتبكين من جامعات Ivy League حول الاحتجاجات المزعومة المعادية للسامية في حرم جامعاتهم. بعد ذلك، كثف نشطاء اليمين المتطرف اتهاماتهم بمعاداة السامية والسرقة الأدبية ونجحوا في ذلك: استقالت اثنتان من رؤساء الجامعات الثلاثة الذين أدلوا بشهادتهم، كلودين غاي من جامعة هارفارد وليز ماغيل من جامعة بنسلفانيا، بعد شهر تقريبا من جلسة الاستماع.

وبتشجيع من هذا النجاح، تم تنظيم جلسة استماع أخرى في الكونغرس في نيسان/ إبريل، حيث لم تحاول نعمت (مينوش) شفيق، رئيسة جامعة كولومبيا، حتى الدفاع عن أعضاء هيئة التدريس والطلاب. 

في الواقع، لقد خذلت العديد من أعضاء هيئة التدريس. وقالت قائدة فريق عملها المعني بمعاداة السامية إنهم يعتقدون أن الشعارات الطلابية مثل "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر" و"تحيا الانتفاضة" هي شعارات معادية للسامية. رد الطلاب الغاضبون بتكثيف احتجاجاتهم، الأمر الذي أدى مرة أخرى إلى زيادة الضغط اليميني من أجل "التحرك"، وهو ما ردت عليه شفيق سريعا بدعوة شرطة نيويورك إلى الحرم الجامعي.

وكما هو الحال في كثير من الأحيان، أدى قمع الدولة لاحتجاج صغير نسبيا ومحلي إلى ظهور حركة احتجاجية أكبر وأوسع بكثير انتشرت في جميع أنحاء البلاد، من نيويورك إلى كاليفورنيا ومن ميشيغان إلى تكساس. علاوة على ذلك، وبما أنه لم يبق على موسم التخرج سوى أسابيع قليلة، فإن مديري الجامعات يدخلون في حالة من الذعر والقمع الكامل. وقد ألغت جامعة جنوب كاليفورنيا بالفعل حفل التخرج الرئيسي، الذي كان من المفترض أن يتضمن كلمة لطالب متفوق مسلم، وذلك بسبب "مخاوف أمنية".

لا ينبغي لنا أن نشك في أن الهجمات الحالية على الجامعات الأمريكية تمثل انتصارا سياسيا كبيرا لليمين المتطرف. فهم لا يقومون بتعبئة وتوحيد القاعدة المحافظة فحسب، بل إنهم يقسمون أيضا قاعدة المعارضة الليبرالية. ولكن هناك أيضا دروس كبيرة للديمقراطيين الليبراليين في البلاد. أولا، الجامعات النيوليبرالية لا تستطيع مواجهة السياسات غير الليبرالية. ثانيا، لا توجد جامعة آمنة: فهذه ليست قضية جامعة خاصة مقابل جامعة عامة أو ولاية حمراء مقابل ولاية زرقاء. وثالثا وأخيرا، تعد الهجمات الحالية مجرد مقدمة صغيرة لما قد تعنيه عودة ترامب بالنسبة للديمقراطية الليبرالية بشكل عام والتعليم العالي بشكل خاص.