مقالات مختارة

هل حسم البشير أمر خلافته؟

1300x600
كتب ياسر محجوب الحسين: مؤشرات كثيرة في السودان تؤكد عدم ترشح الرئيس البشير لولاية رئاسية جديدة العام القادم 2015 وسيكتفي الرجل بمسيرة حكم بلغت ربع قرن من الزمان.. البشير الذي قل نشاطه كثيراً خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب المرض اتخذ عددا من الترتيبات التي ينظر إليها باعتبارها ترتيبات تصب في نقل سلسل للسلطة لأحد الضباط الذين رافقوا مسيرته وتتوفر فيه درجة عالية من الثقة من جانب البشير.. الترتيبات تؤمّن موقف الرجل حال كونه رئيس سابق مطارد من المحكمة الجنائية الدولية؛ لكنها قطعا لا تصب في رأي المراقبين، في صالح تحول ديمقراطي ومدني للحكم في البلاد.

نهاية العام الماضي أزاح البشير رموزا سياسية ومراكز قوى ظلت متنفذة ومستأثرة بالسلطة طيلة السنوات الخمس والعشرين الماضية، تمهيدا على ما يبدو لخليفته من المؤسسة العسكرية. 

صحيح أن تلك المجموعة أنسد أفقها السياسي ونضب معين مبادراتها السياسية فلم تعد تقدم حلولا ذكية تخرج البلاد من وهدتها، بل لم تعد قادرة على إقناع أغلبية حزب المؤتمر الحاكم الصامتة والمعتزلة، بالعودة للولاء والفاعلية التنظيمية فضلا عن عدم قدرتها على حشد وحث تلك الأغلبية الصامتة والمعتزلة للالتفاف حول النظام في المرحلة القادمة؛ فليست تلك قضية البشير بل على يبدو ينظر إلى تلك المجموعة المدنية باعتبارها مهددا لخليفته، فهي ظللت تتحين الفرص - وهي متنافسة فيما بينها كذلك – لخلافة البشير.

فالرئيس البشير بذلك الإجراء عاد القهقرة لمؤسسته العسكرية (الجيش) وفي تلك التغييرات أستبدل نائبه الأول علي عثمان محمد طه وهو رجل دولة مدني وكان مرشحا قويا لخلافته، بالفريق أول بكري حسن صالح آخر أعضاء مجلس الانقلاب الذي قاده إلى السلطة في يونيو 1989 ومن الذين بقوا في السلطة بجانبه.. عليه فقد أصبح الطريق نحو مدنية الحكم في السودان طريقاً غير معبد ليبقى الجيش لاعباً رئيساً ووحيدا في الحياة السياسية السودانية.. إن ما أقدم عليه البشير عضّد رأي بعض شيوخ الحركة الإسلامية السودانية وهي المرجعية الفكرية لنظام البشير، فقد أشاروا إلى خطأ عدم تعهد النخبة العسكرية الإسلامية بالبناء الفكري، فبقي تدين النخبة العسكرية بقيادة البشير أقرب إلى التدين الصوفي التقليدي الشائع في السودان؛ والصوفية التقليدية تصطدم في الغالب مع القيم الديمقراطية المنفتحة.

قبيل الانقلاب الأبيض الذي أطاح فيه البشير بالرموز السياسية رفض الاستجابة لمذكرة إصلاحية قادها القيادي البارز غازي صلاح الدين – قبل انشقاقه فيما بعد وتشكيل حزب خاص به - طالب فيها بإجراء مراجعات داخلية في حزب الرئيس البشير الحاكم بهدف تقويته مما يؤهله لقيادة البلاد فترة أطول. وكان واضحاً أن العتباني من مؤيدي تنحي الرئيس البشير ولكن ليس لصالح العسكر، وسبق أن أشار في مقال له (أن البشير بخبرته قد أدرك استحالة أن يأتي زعيم - أي زعيم - بجديد في الحكم بعد أن قضى فيه خمسة وعشرين عاماً).. مضيفاً: (قوانين الطبيعة والفيزياء والكيمياء وحدها تمنع ذلك، ولعل الرئيس رأى أجيالاً ناهضة تموج موج البحر تطلعاً لحظّها في القيادة وتجريب رؤاها المجُدّدة).. بل كان العتباني أكثر وضوحاً في رؤيته عندما قال: (وربما حدَّق الرئيس في الأفق ونظر في أقاصيص الزمان فأدرك أن التاريخ سيكون أرأف به في أحكامه لو أنه أحسن توقيت تنازله، وربما نظر الرئيس إلى أحكام التاريخ على حكام آخرين لم يعوا دروس الوقت فاستبرأ من أن يستنَّ بسنتهم).

إن غازي ومن يؤيدوه يرون أن المناخ الدولي والإقليمي وثورات الربيع العربي ضرورة التغيير في الحزب وقيادته باعتباره محوراً مهماً في خطط مواجهة الأزمات التي تواجهها البلاد، وأن التغيير يمثل فرصة لالتقاط الأنفاس باعتبار أن ذلك التغيير يجعل الفرصة مواتية أمام الدول التي ظلت مناوئة لسياسة البشير لفتح صفحة جديدة مع السودان خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والمجموعة الأوروبية.. كذلك من أهم دواعي ترجل البشير أن وصوله للحكم جاء عبر انقلاب عسكري وهذه الوسيلة رسخت النظرة إليه – داخليا وخارجيا - كحاكم عسكري ولم تتغير هذه النظرة رغم انتخابه عبر الاقتراع المباشر كرئيس مدني في أبريل من العام 2010م وقد جاء ذلك بعد خلعه بزته العسكرية حسب شرط قانون الانتخابات.. والانطباع الدولي الذي مازال سائداً، هو أن البشير انقلب على حكومة منتخبة وهي حكومة رئيس الوزراء الأسبق الصادق المهدي.

الطبقة الحاكمة بما فيها البشير نفسه على قناعة على ا يبدو بترجل البشير، لكن هذا الترجل لن يأتي وفق ما تشته سفن المدنيين الذين تحالفوا معه ودعموه طيلة فترة حكمه، فالرجل حسابات أخرى فهو يؤمن بأن العسكريين أوفياء لزملائهم في المهنة.. المشير عبد الرحمن سوار الذهب الذي استلم السلطة من الرئيس جعفر نميري في أبريل 1985م إثر ثورة شعبية لم يكن حريصا على محاكمته كذلك المشير محمد سيد طنطاوي في مصر جعل الرئيس حسني مبارك بعيداً عن الإذلال.. هذه الميزة التفضيلية لا تتوفر إلا في رجل مثل الفريق أول بكري حسن صالح، الذي أمسك بكل الملفات الداخلية كما بدأت عملية تسويقه خارجيا بشكل ممنهج إذ مثل البشير في العديد من الملتقيات الدولية الأمر الذي لم يتح للنائب الأول السابق علي عثمان طه.

(بوابة الشرق القطرية)