كتاب عربي 21

هكذا تحدث الشيخ طه حسين

1300x600
لقد نشرت دار الكتب والوثائق القومية ست مجلدات كبيرة فيها مقالات طه حسين - من عام 1908م حتى عام 1968م - فقدمت خدمة جليلة للباحثين في فكر عميد الأدب العربي، وأخرجت هذا المشروع الكبير تحت عنوان "تراث طه حسين"، كما نشرت مجلدين فيهما مراسلاته وأوراقه الخاصة.

لكنني لاحظت أن القائمين على جمع هذا التراث قد تجاهلوا كتابات طه حسين التي لا تتفق مع توجههم العلماني، ولا مع فكر طه حسين في مرحلة انبهاره بالحضارة الإسلامية، ومن هذه المقالات التي تجاهلها القائمون على على هذا المشروع ما كتبه طه حسين - مبكرا - في صحافة الحزب الوطني - حزب مصطفى كامل - الذي كان يقوده يومئذ المجاهد المجدد الشيخ عبد العزيز جاويش.

ففي مجلة "الهداية" كتب طه حسين كلاما لا يرضي العلمانية ولا العلمانيين، عندما تحدث عن أن القرآن الكريم هو كتاب عبادات وقانون وحكمة وتشريع، فقال: "إن شأن القرآن الكريم في أكثر أحكامه ألا يأتي بالأصول والقواعد مرسلة، بل يتبعها - في أكثر الأحيان - بعللها ونتائجها، وتلك هي المزية الخاصة التي تتفق لقانون من القوانين.

ويقول علماء التشريع: إن القانون إنما يقبله الناس ويطمئنون إليه إذا اشتمل على قليل أو كثير من علل الأحكام، وهذا الرأي الذي عرفه الناس في هذا العصر الحديث قد سبق إليه القرآن الكريم منذ ثلاثة عشر قرنا، فهو كتاب عبادات وقانون وحكمة وتشريع، وحسبك بهذا ميزة للقرآن على غيره من كتب القوانين والتشريع".

كما كتب طه حسين - أيضا - عن إصلاح أحوال المرأة وعن أن معايير هذا الإصلاح هي ثوابت الإسلام وحدود الدين، فقال: "إن حدنا - في هذه المسالة - إنما هو دين الله الذي أنزله شفاء لأدواء الأفراد والأمم، وإصلاحا للفاسد من أمورهم، فعلينا أن نقف عنده، ولا نتعدى حده، (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون)، على هذا الأساس الصحيح نقول: إن رقي المسلمين رهين بأن يرجعوا إلى أصول دينهم الذي أهملوه، وكتابهم الذي أغفلوه، فيمسكوا بأسبابها، ويتعلقوا بأهدابها، وعلى غير ذلك لا تقوم لهم قائمة، ولا يصلح لهم جيل".

بل لقد كتب طه حسين يدعو إلى الجهاد لنشر التوحيد ومحو آثار الشرك، فقال: "إن التوحيد هو ملاك الفضائل وقوام الأخلاق الحسنة، وإن الشرك هو مصدر النقائص وجرثومة كواذب الأخلاق، ولذلك فإننا ملزمون بنشر الإسلام ومحو آثار الشرك".

وكتب طه حسين - بمجلة "الهداية" أيضا - ينتقد الذين يخلعون ملابسهم الشرقية ويتسبدلونها بالأزياء الأفرنجية، وفوق هذا، كتب يحرم زواج المسلم من الكتابية الأوربية، لما في ذلك من خطر على البيوت والأبناء والبنات، فقال "إنه مما لا شك فيه أننا الآن أصبحنا في عصر غير العصور الماضية، تغيرت أخلاقنا من حسن إلى قبيح، ومن جميل إلى ردئ، ذهبت مقوماتنا، وضعفت أنفسنا، وزالت مميزاتنا الجنسية - "أي القومية" - وأصبح من اليسير أن تندمج طباعنا مع غيرنا من الأجانب، لذلك لا شك عندي في أنه يجب علينا أن نحتاط كل الإحتياط في استعمال هذا الحكم، أي إباحة تزوج المسلم بالكتابية، ولست أرى عليّ من بأس إن قلت إنه الآن حرام ممقوت، كثير منا يتزوج الكتابيات من أهل أوربا رغبة في جمالهن وما يشاع عن علمهن وأدبهن، إلى غير ذلك، ولكن ماذا تكون النتيجة لهذا الزواج؟ لا شئ إلا أن يصبح الرجل وبيته وأبناؤه وبناته أوربين في كل شئ، اللهم إلا أفراد أفذاذ لا يعول عليهم في الأحكام العامة لأنهم قليلون. إذن فأستطيع أن أحظر تزوج المسلم من الكتابية من الفرنج، أو على الأقل أضيق دائرته تضييقا شديدا، لا سيما إن أضفت إلى ما سبق فساد الدين في نفوس الفرنج فسادا مطلقا حتى أشرف على الإنمحاء".

تلك نماذج من الكتابات التي كتبها طه حسين، في صحافة الحزب الوطني - حزب مصطفى كامل ومحمد فريد وعبد العزيز جاويش - والتي تجاهلها الذين جمعوا "تراث طه حسين" - من المتمسحين به والمتعصبين له - لأنها كتابات مناقضة للعلمانية التي يحبذونها، وللتفرنج الذي يعشقونه!.

وما درى هؤلاء الذي تجاهلوا هذه الكتابات أنهم - بذلك - إنما خدموا ويخدمون غلاة الإسلاميين، المتعصبين ضد طه حسين، والذي تجاهلون - هم أيضا - هذا اللون من كتابات الرجل الذي ظلمه أنصاره وخصومه، عندما تجاهلوا تجاهلوا تطوره الفكري الملئ بالمفاجآت!.