مقالات مختارة

تصورات خاطئة عن أهل السنّة

1300x600
تسود مفاهيم يقال إنها بمثابة نقاط إجماع عند أهل السنة وهي ليست كذلك. منها:

- الخلافة: لم تكن في يوم موضع إجماع، وتعود الاقتراحات بتقسيمها وإلغائها إلى العصر العباسي. ولم تثر ثائرة الفقهاء، مثلاً، عندما تزامنت ثلاث خلافات: في القاهرة الفاطمية وبغداد العباسية وقرطبة الأموية. كانت علاقات الخلافات الثلاث بعضها ببعض علاقات صراع، لكنها لم تصل يوماً إلى درجة التكفير والإخراج من الملّة. ومن دعاة عدم إيلاء الخلافة الاهتمام المبالغ فيه وصولاً إلى الموافقة الضمنية على إهمالها كشأن سياسي وديني، الغزالي والجويني وابن تيمية. ولم يظهر التمسك المفرط بفكرة الخلافة إلا بعد إلغائها عام 1924، ومحاولة ربط الفوات التاريخي العربي- الإسلامي باختفاء الخلافة. وشكّل ذلك رافعة الإسلام السياسي الحديث من حزب التحرير ؟إلى "داعش".

- أهل السنة هم الأمة: مفهوم الأمة الذي تحدث عنه الفقهاء في العصر الكلاسيكي لا يقابله المفهوم الحديث المستند إلى المصطلحات الغربية. وإذا كانت الأمة هي أهل السنة وفق ما يُفهم من الأدبيات القديمة، فقد انطوى ذلك على حصر الانتماء إلى الدولة والمجتمع بالمسلمين عموماً او "أهل القبلة".

المسيحيون واليهود وغيرهم لم يُعتبروا من أبناء الأمة أصلاً، وهذا ما لم يعد مقبولاً في عالم اليوم المؤلف من مجتمعات سمتها الأولى التعدّد بكل أوجهه. يضاف إلى ذلك أن ثمة فارقاً بين "الأمة" و"الجماعة" في المصطلح الإسلامي. وعندما يقال "أهل السنة والجماعة" يتعين الانتباه الى أن "الجماعة"، هي عقل أهل السنة وهي التي "بإجماعها" تحمي الأمة من الضلال. أضف إلى ذلك أن اختزال الأمة بأهل السنة، بعد إقصاء بقية المكونات الدينية، يطرح السؤال عن كيفية اختيار "الأمة" لقيادتها، وعن آلية ارتقاء الجماعة المحصّنة ضد الانحراف ما دام الإسلام لم ينشئ مؤسسات سياسية، وما دامت تجربة الشورى لم تعمر سوى فترة جداً وجيزة في عهد الخلافة الراشدة. وهذا طريق أكيد إلى الاستبداد.

- الرأي الإسلامي مستقر في الشأن السياسي على حاله منذ القدم: ربما تكون حالات الصعود والهبوط في الفكر السياسي الإسلامي وخصوصاً السنّي منه في الشؤون كافة المتعلقة بالمؤمنين، نموذجاً مدرسياً على حالات المد والجزر والتردّد والبحث عن حلول لمعضلات عبر تجسير هوّات غير قابلة للتجسير، والانتقال من التشاؤم التاريخي إلى التفاؤل والعكس. الفكر الإسلامي بمعناه السياسي اضطرب كثيراً في مسألة العلاقة بين إدارة الشأن اليومي- السياسي،  والحفاظ على المضمون الإسلامي للحياة العامة.

- الفكر الأشعري هو الغالب على التسنن: إلى جانب رفض المذهب الحنبلي لكل الطروحات الرئيسية عند الأشاعرة، اتخذ عدد من المدارس موقف النأي بالنفس من الطروحات الأشعرية، وبحثت عن ملجأ في الماتريدية وغيرها. الأشاعرة ليسوا ممثلي التسنّن الحصريين. والجمود في الفقه السني عموماً لا يتحمل هؤلاء مسؤوليته وحدهم، على ما استسهل القول عدد من الكتاب المعاصرين كمحمد عابد الجابري، الذي أسند إلى الأشاعرة دوراً أكبر في قدرتهم على إغلاق الباب أمام التطور العقلاني للحضارة العربية الإسلامية. بل الأقرب إلى الصواب البحث عن أسباب الجمود في المعطى الاجتماعي والسياسي وليس العكس.

- هامشية "داعش" في السياق التاريخي الإسلامي: حتى الآن لم تظهر ردود مفصلة تقول بانحراف "داعش" عن خط الإسلام القويم والعام. ونقصد بها ردوداً تفنّد الأحاديث المسندة والآيات القرآنية التي يرفق "داعش" بياناته بها، وهي تحتاج إلى نقد فقهي مؤصل وليس فقط إلى موقف سياسي. الصمت العام، دليل انتماء "داعش" إلى ما هو أقرب من أطراف الإسلام وهوامشه.



(نقلاً عن صحيفة الحياة اللندنية)