كتاب عربي 21

يقولون إنني ناصري!

1300x600
عندما يأتي جهاز أمني بعد (28) سنة خدمة لي في بلاط صاحبة الجلالة، والعمل العلني، ويصنفني على أنني "ناصري"، فمن الطبيعي أن ينتابني الخوف على الأمن القومي المصري، قبل أن استدعي بقايا تصوف، كان يمكن أن تحملني لأن أكون شيخ مشايخ الطرق الصوفية الآن، فتحل الطمأنينة بعد خوف لأن مصر محمية ببركة أولياء الله الصالحين!

أصل الحكاية أنني علمت أن السيدة "رولا خرسا"، التي تعمل مذيعة في قناة "صدى البلد" المملوكة لـ "الفل الأكبر" محمد أبو العنيين، أحد رجال الأعمال المنتمين لزمن مبارك، ومن سبق اتهامه بالتورط في معركة الجمل، ذكرت أن تقريرا أمنيا اتهم الصحفيين "الضيوف على قناة الجزيرة" بالعمالة للمخابرات القطرية، وقد انطلقت تصنفهم، بحسب التقرير، فكان من "حظي ونصيبي" أن أكون ناصرياً ضمن اثنين آخرين، هما الزميل "صلاح بديوي" مؤسس حركة "ناصريون ضد الانقلاب"، والزميل "أحمد حسن الشرقاوي" ومعلوماتي أنه "يساري" وليس "ناصرياً"، لكن لابأس، فكله عنده العرب صابون!

في المرات التي سجن فيها "اليساريون" في حكم "عبد الناصر"، كان "الشاويش الجاهل" في انتظارهم في السجن فيما يعرف "بحفلة الاستقبال"، يسأل أحدهم: ماذا تعمل؟ فيقول له: "كاتب"، فيصفعه صفعة عنيفة وهو يسأل مستنكراً: "وكمان كاتب"؟!. إلى أن جاء دور شاعر مرموق، فسأله "الشاويش" عن صنعته؟ فرد صاحبنا وهو في حالة شموخ: "شاعر". عندها توقف "الشاويش" برهة، يبدو أنه كان يستجمع "ثقافته السيارة" عن معنى الكلمة، قبل أن يصفعه الصفعة الكبرى وهو يهتف: "يعني كاتب"؟!. 

يقول شهود عيان، إن الرجل ظل مصراً وهو يصفع على أنه ليس كاتباً بل شاعراً، و"الشاويش" يزيده من الصفع، وهو يستعرض أمامه معلوماته من أنه يعرف أنه شاعر وأن الشاعر هو كاتب!

ويبدو أن ثقافة هذا "الشاويش" هي السائدة أمنياً إلى الآن، فما دام "أحمد الشرقاوي"، يقول إنه: "يساري"، فالمعنى أنه "ناصري" وفق نظرية التوحد الحكيمة التي جعلت "الشاويش" يقف على أن "الشاعر" هو "كاتب"!

وليست هناك مشكلة إن عد رجل الأمن الشخص "اليساري" بأنه من المؤكد أنه "ناصري"، وقد يظن أنها مترادفات، أو أن "اليساري" هو اسم "الدلع" لـ "ناصري"، تماماً كما أن "محمد أبو العنيين" يُطلق عليه: "حمادة"!

بيد أني ظننت أن "رولا"، أرملة المرحوم "عبد اللطيف المناوي" رجل "جمال مبارك" و"عبد الفتاح السيسي" في وقت واحد، طُلب منها أن تهاجمني دون تحديد مستوى الهجوم، فاجتهدت قدر ثقافتها، وقد شاهدنا كيف أن "عباس كامل" سكرتير "السيسي" هو من يحرك الأذرع الإعلامية، وبطريقة "الواد" و"البت"، وهي ألقاب الإعلاميين الذين يعملون خدماً في البلاط!

لكن ظني ذهب سدى عندما علمت أنه في الليلة الموعودة ذاتها، وعلى القناة المملوكة ذاتها لـ "حمادة أبو العنيين" ، طل مذيع آخر هو أحمد مرسي، بالتقرير الأمني نفسه، والتصنيف نفسه، وأيضاً ترتيب الأسماء نفسها، على نحو كاشف بأن الأمر ليس اجتهاداً أمنياً من "أرملة المرحوم"، لكننا أمام "توجيه"، محملاً بتقرير حقيقي، جرى فيه تصنيفي على أنني "ناصري"، ومع ذلك فأنا من الفريق المتهم بالتخابر لصالح المخابرات القطرية، التي تعمل على تدمير "الدولة المصرية"، بطبيعة الحال باعتبار أن السيسي هو هذه الدولة، وأي نقد لفشله في البر والبحر هو عمل مخابراتي من أجل تقويض بنيان هذه الدولة.

لست معنياً بالموقف القطري، الذي حرص منذ اليوم الأول للانقلاب على تهنئة "الرئيس المؤقت" عدلي منصور، كما تمت تهنئة "عبد الفتاح السيسي" عندما صنع لنفسه انتخابات وفاز فيها، والإعلام القطري يطلق على قائد الانقلاب لقب "الرئيس المصري". ومنذ اللحظة الأولى لهذا الانقلاب أيضاً أعلن القوم في الدوحة أن المساعدات التي قدمت لمصر في عهد الرئيس محمد مرسي هي للشعب المصري، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها بأن الدولة القطرية ليست لديها انحيازات فيما يختص بالشأن الداخلي المصري، لكن العداء جرى من جانب سلطة الانقلاب، لأن من دوافع  هذا الانقلاب هو التقارب المصري – القطري، وقادة الإمارات يرون أن مصر هي المجال الحيوي للاستثمار الإماراتي منذ عهد المخلوع!

ولم تشأ الدولة القطرية أن تكون طرفاً مع ذلك، وهي حالة من السماحة استغلها بعض المصريين في الدوحة، ليتطرفوا في انحيازهم للانقلاب العسكري، ويتوافدون على السفارة المصرية، للإدلاء بأصواتهم لصالح السيسي فيما سمي بالانتخابات الرئاسية، ويلتقطون لأنفسهم وأسرهم الصور وينشرونها على مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنهم في يوم العيد، مع أنهم لم يفعلوا هذا في الاستحقاقات الانتخابية الخمسة، بعد الثورة، التي مثل فيها صوت المواطن المصري قيمة لأول مرة في تاريخ مصر.

هؤلاء في إبداء تطرفهم بالانحياز للانقلاب وقائده، يريدون أن يستمروا في أمان فيكون انحيازهم جواز مرور من مطار القاهرة، في مواجهة الاتهامات الإعلامية التي تصل لكل من يعمل في قطر، بأنه عميل يعمل على تقويض الأمن المصري. ومن ناحية أخرى فهم في مأمن من أن أحداً لن يلومهم في الدولة القطرية لهذا الانحياز للسلطة، أطلقت "كلاب السكك المسعورة"، فتطاولوا على الأعراض، وبالاسم، وهو مستوى لم تهبط له الدوحة، منذ صفاقة الهجوم في عهد المخلوع مبارك، فلم ترد على تجاوزاتهم بالهجوم علي "سوزان مبارك"، كما لم يردوا بالهجوم على زوجة السيسي وأهل بيته. ولعل الدوحة لم تسبقها في الفصل بين المصريين وتصرفات حكوماتهم سوى بغداد في عهد صدام حسين.

وفي قناة "الجزيرة"، فإن المعاملة واحدة بين المنحازين للانقلاب والرافضين له، وفي بعض الأحيان كانت هناك شكاوى من بعض الرافضين للانقلاب بأن ثمة تمييزاً لصالح الآخرين. 

ونأتي إلى موضوع إقامة الرافضين للانقلاب في الدوحة فهم فعلوا هذا من باب المضطر، ومجموعة الصحفيين يعملون في مهنتهم وبدوام كامل، ولم يكونوا من العاطلين عن العمل في مصر، بل كانوا في قمة الهرم الصحفي، وعند سقوط السيسي سيكونون في أول طائرة متهجة للقاهرة، فما أصعب الغربة في خريف العمر.

ونأتي إلى "بيت القصيد"، وهو تصنيفي – بحسب التقارير الأمنية – بأنني ناصري، مكلف بتأجيج الفقراء على السلطة، مع أني آخر واحد في مصر، يجد الحديث عن ثورة الجياع في مصر عنده تأثيراً، وبرأيي أن ثورة يناير قامت بها الطبقة المتوسطة وما فوق المتوسطة، التي تملك الوعي الكامل بضرورة التغيير، وكان رأيي أن أبناء الطبقة العليا الذين تواجدوا في يوم جمعة الغضب كانوا الأكثر تحملاً لتلقي العنف الأمني، وقد رأينا كيف أفرز الفقر البلطجية الذين كانوا دائماً من أدوات سلطة العسكر في مواجهة المعارضين، وكيف كان يتم استخدام الباعة الجائلين في الاعتداء على المتظاهرين؟

ناصري أنا؟.. منذ متى حدث هذا، وقد تفتق وعيي السياسي على كراهية حكم العسكر، من جراء ما قرأته صبياً من تعذيب في سجون عبد الناصر، ومن قمعه للحريات، وتعمده إذلال البشر، دعك من الانحياز للفقراء فقد كان هذا على قواعد التبعية. ورأيي أن دولة العسكر التي تأسست في العالم العربي، هي صنيعة الاستعمار القديم التي سلمها المستعمرات، لتصنع نفس النتيجة المستهدفة من الاحتلال؛ ومن إفقار، وجهل، وتخلف، وتبعية. ولهذا فثورة يناير عندما خرجت لم تكن لتزيل "حسني مبارك"، وإنما كانت تطوي المرحلة الثانية من الاستعمار، لذا فإن المستعمرين القدامى احتشدوا لإفشال أول حكم من اختيار المصريين، والعودة لحكم النخبة التي صنعها المستعمر على عينه.

لا أنكر أن بعض القراء يعتقد أنني "ناصري"، وعندما فكرت في أسباب هذا الاعتقاد، قلت ربما بسبب كتاباتي في جريدة "القدس العربي" على مدى (12 عاماً) متصلة، وقد كتبت فيها قبل ثورة يناير أرد على هذا الاعتقاد.

لكن ما لم أكن أتصوره أن جهازاً أمنياً يرى ما كان يعتقده العامة، ولو سأل الحلفاء الجدد من الناصريين، لوقفوا على أنني مصنف على المعارضة لفترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، ولي كتابات كثيرة في الهجوم على هذه المرحلة، يعرفها الناصريون حلفاء السيسي بدلاً من أن تتورط الأجهزة الأمنية بمد القنوات الفضائية بمعلومات تجعلني أضع يدي على قلبي؛ خوفاً على الأمن المصري عندما يستقر في وجداني أنهم هواة على هذا النحو.

ويا أيها الجهاز الأمني الذي لا أعرفه، هل تريد تصنيفاً لي: أنا ليبرالي على كتاب الله وسنة رسوله، ومذهب أبي حنيفة النعمان.

وليبراليتي هي التي جعلتني، وأنا المعارض للرئيس محمد مرسي أرفض الدعوة المغرضة بالانتخابات الرئاسية المبكرة، احتراماً لإرادة الشعب المصري ولقيم الديمقراطية ومبادئها.

وليبراليتي هي التي جعلتني أنحاز لشرعية الرجل مع أني لم أنتخبه، ولم أؤيد ترشيحه.

وليبراليتي هي التي تجعلني الآن ضد الاستبداد والقمع وضد حكم العسكر.

وعليك أيها الجهاز الأمني أن تعلم، أن موقفي ضد الدعوة في 30 يونيو معلن ومكتوب ومنشور ومسجل في برامج تلفزيونية.

وموقفي ضد الانقلاب كان قبل سفري للدوحة، ومعلن في قنوات تلفزيونية كثيرة من القاهرة، وفي الحرة، والضياء، وسكاي نيوز، فلو كنت ناصرياً ما كنت ضد حكم العسكر، ولرأيت في عبد الفتاح السيسي أنه ينتعل بيادة كجمال عبد الناصر، ولما انحزت للديمقراطية وإرادة الشعب المصري وسيادته.

فعلاً، إن مصر محروسة بأولياء الله الصالحين.. مدد!