كتاب عربي 21

النظام المصري يدفع بمصر إلى الهلاك

1300x600
كم من المرات حذر كتاب عرب وأنا من بينهم من جرّ مصر إلى أتون التفجيرات وسفك الدماء في الشوارع، وقدموا مبرراتهم إلى ما يمكن أن تنتهي إليه مصر في ظل الأحكام الغبية التي يصدرها القضاء المصري. لكن النظام المصري لا يسمع، بل وينبري زبائنه الضالون لمهاجمة كل من يوجه انتقادا لسلوك النظام أو القضاء. العقل يدعو إلى الاستماع إلى الآخرين فقد يكونون على صواب، وقد تكون لديهم نصيحة مفيدة قد غفل صاحب الشأن عن أبعادها. الأنظمة العربية أحاط الغباء بعقولها فهي باتت كالأنعام بل أضل سبيلا، وما دامت هي في هذا الضلال فإن أمن المواطن العربي سيبقى في خطر محدق.

واضح من خلال تطورات الأحداث في مصر أن نظام الحكم القائم لا يعرف فن الحكم، ولا يملك قدرات على تنظيم شؤون الناس، ومجمل العلاقات في الدولة، ويبدو أنه يقود الناس ويدير شؤونهم بأحقاد ومشاعر تطغى عليها الكراهية وحب الانتقام. كان من المفروض أن يدرك النظام المصري بقيادة السيسي أن الحاكم لا يمكن أن ينجح بقيادة الدولة بالانتقام والأحقاد، وإنما عليه أن يوفر المناخ المناسب لوحدة الناس وتكاتفهم وإقامة العدل فيما بينهم. الحاكم الفاشل هو الذي يترك العنان لمشاعره الشخصية لتحديد السياسات العامة، والقائد الفذ هو الذي يقرأ هموم مواطنيه ويعمل على معالجتها بدأب وإصرار ومسؤولية. ولا مانع أن يحاول الحاكم الجاهل التفقه بأساليب الحكم والإدارة عله يتمكن من صناعة الخير للناس.

كان موقف النظام المصري من الإخوان المسلمين اعتباطيا وارتجاليا، ونمّ عن جهل كبير في سلوك التنظيمات السياسية. الإخوان المسلمون تنظيم كبير وربما يكون أكبر تنظيم عالمي الآن، وهو تنظيم موجود في كل ركن وزاوية من مصر، وهو تنظيم عريق ومتجذر وليس من السهل القضاء عليه. وإذا كان تنظيم الإخوان لا يرغب في المواجهة وتعريض أمن النظام للخطر، فهناك كثيرون يتأثرون بالإخوان ولديهم الاستعداد للرد على ما تقوم به أجهزة الأمن المصرية والقضاء المصري. قام حكام مصر الحاليون بانقلاب عسكري وصفوه بأنه تعبير عن إرادة الناس، ثم أخرجوا حركة الإخوان عن القانون، وبدأت ملاحقة عناصر وقيادات الإخوان وزجهم بالسجون. ثم أتى القضاء المصري ليقيم حفلات قرارات الإعدام الجماعية ضد المواطنين المصريين. ولم يكتف القضاء بملاحقة العناصر وإنما حكم بالإعدام على قيادات الإخوان دون أن يجري محاكمات وفق الأصول القانونية المرعية على المستوى العالمي. 

لقد أساءت مصر لنفسها على المستوى العالمي بسبب أحكام الإعدام الجماعية، ولا يوجد وسيلة إعلام عالمية إلا تناولت الخبر بالكثير من الاستهزاء. كنا نظن أن القضاء المصري نزيه، لكنه تبين أن نزاهته إعلامية فقط، وظهر أنه مجرد أداة بيد السياسيين.

طبعا تم التنبيه إلى خطورة ما يجري في مصر على الأمن القومي المصري، وأن ما يقوم به النظام من خلال القضاء سيؤدي إلى أعمال انتقامية، إن لم يكن من جهة الإخوان المسلمين فمن جهات صغيرة الحجم لا تنطق باسم الإخوان. أحكام الإعدام الجماعية والسجن الطويل مع الأشغال الشاقة كانت بمثابة ضربة قوية لأمن مصر وأمن المواطن المصري العادي الذي يعاني من أزمات ومآزق كثيرة. لم يكن من المتوقع أن تؤدي هذه الأحكام والإجراءات القمعية الأخرى إلى استقرار الأحوال في مصر، أو الهدوء والطمأنينة، وإنما كان من المتوقع أن تحصل ردود فعل متنوعة تصيب مصر بأضرار كثيرة. وتم التنبيه من قبل كتاب ومثقفين عرب إلى أن مصر قد تتحول إلى سوريا جديدة أو عراق جديدة. للأسف لم ينتصح المسؤولون المصريون واستمروا في غيهم المقيت. حتى أن كتابا وإعلاميين مصريين صفقوا لما يقوم به النظام ولم يسلم المثقفون العرب من أقلامهم.

الآن قتل النائب العام المصري بتفجير قوي في شوارع القاهرة، ولا أظن أن الأمر سيكون حدثا منعزلا، وسيقتل مسؤلون آخرون بخاصة من سلك القضاء. رد الفعل كان واردا وسيبقى واردا ما دام النظام المصري لا يجنح إلى التفاهم مع القوى الداخلية الفاعلة. أعمال الإرهاب مقيتة وقاتلة ماديا ومعنويا، وهي لا تتوقف إلا بعد خراب البلاد ودمارها. والبادئ بالإرهاب كان النظام المصري الذي أصر على قمع الآخرين من أجل أن يبقى هو.

أمام النظام المصري فرصة تجنيب مصر مآسي الاقتتال الداخلي. الشعب المصري شعب عظيم وبسيط ومطلوب أن يهوّن النظام عليه حياته، لا أن يعقدها. والحل الأمثل يكمن في دعوة الإخوان المسلمين إلى طاولة حوار وطني تؤدي إلى تفاهم بين مختلف الأطراف. الاستئثار بالسلطة مسألة خطيرة، والحاكم الحكيم هو الذي يفتح المجال دائما للمشاركة السياسية الواسعة، وكلما اتسعت هذه المشاركة، ارتقى التلاحم الاجتماعي، وارتقت نفوس الناس ومعنوياتهم ورغباتهم في العمل الجماعي والتعاون المتبادل.