كتاب عربي 21

إعادة توزيع الثروة في عهد الثورة

1300x600
عندما يخبرك تاجر مخدرات بأنك تعاني من الإدمان، فربما قد حان الوقت لإعادة تقييم عاداتك!

يتجه النظام الرأسمالي إلى حافة الانهيار الوشيك، فتراكم الثروات الجشع وغير المسبوق من قبل قلة قليلة لم يعد قابلا للاحتمال. فببساطة: دورة المال ليست مثل دورة المياه؛ فهو لا يطفو ولا يشكل غيوما ولا يمطر مرة ثانية على الأرض، ولكنه يطفو ويشكل الغيوم ثم يبقى هناك... بدون أن "تنساب" منه قطرة واحدة.

الناس أمثالي، والاقتصاديون اليساريون الراديكاليون، ظلوا يرددون هذا الكلام لسنوات، ولكن الجديد هو أنه حتى الرأسماليون أنفسهم أصبحوا هم أيضا يقولونه الآن!

في حديث أجرته مؤخرا مجلة بيزنس إنسايدر (Business Insider)، مع الرئيس التنفيذي السابق لشركة باسيفيك لإدارة الاستثمار (PIMCO)، محمد العريان، الذي أشرف على إدارة ما قيمته حوالي تريليوني دولار من الأصول، قال إن النهاية قد اقتربت، ولكن من الأفضل أن أنقل لكم توقعاته كما قالها تماما في مجملها من المقال:

"في غضون السنوات الثلاث المقبلة سيصطدم الاقتصاد العالمي بنقطة التقاء طريقين على شكل (T)، وصناع القرار سيكون عليهم إما المراقبة بلا حول ولا قوة بينما يغرق العالم في مستنقع عدم الاستقرار المالي والانهيار السياسي، أو أنهم سيجدون طريقة لإطلاق سراح أكوام النقد الخاصة بالشركات والقابعة على الهامش، من أجل تنشيط النمو!".

أرجو أن تقرأوها مرة ثانية! ما يقوله هنا هو أن النظام الذي تم تصميمه بهدف تعظيم الربحية وتوجيه الثروات بعيدا عن التداول لتصب في خزائن الشركات الخاصة، أصيب بالاختلال والتدمير الذاتي. ويقول كذلك إن التفاوت في الدخول وصفة كارثية، ووصفة تؤدي إلى "عدم الاستقرار المالي والانهيار السياسي"... وهو محق في ما يقوله، فالتركيز العالي للثروات في أيد قليلة وتزداد قلة طوال الوقت، وهو المسار الحتمي للسياسة الرأسمالية، يقوض في نهاية المطاف بقاء النظام نفسه، فالأغنياء لا يساهمون في تنمية الاقتصاد رغم أنهم ضمنوا لأنفسهم أنهم هم الوحيدون الذين يستطيعون المساهمة في تنميته، بما أنهم هم الوحيدون الذين يتملكون الأموال اللازمة لذلك! فهم لا يوجِدون فرص عمل، ولا حتى يستهلكون بما يتناسب مع دخلهم المتاح تحت تصرفهم، ولا يستثمرون في تطوير الشركات، ولا يساهمون في تنمية الاقتصاد، هم فقط يكنزون الأموال! لقد قضى العريان لتوه على أسطورة النيوليبرالية! فحتى الـ1 في المئة ها هم يعترفون ويقرون بجنون نظامهم.

يقول العريان: "إن الطريق الذي نسير فيه يقترب من نهايته!". وعندما قال إن الثروات الهائلة التي تحتفظ بها الشركات تحتاج إلى إطلاق سراحها، فسواء استخدم هذا المسمى أم لم يستخدمه، نحن نعرف أنه يتحدث عن إعادة توزيع الثروات، وبعبارة أخرى فإن الشركات يجب أن يتم إجبارها بطريقة أو بأخرى، على استخدام هذه الأموال في تحقيق النمو الاقتصادي، أي: خلق فرص عمل، ودعم ريادة الأعمال، ورفع الأجور، والسماح بتدفق الثروات وتدويرها. وهذه هي الطريقة الوحيدة لكي تستمر اللعبة، وإلا سيصبح الأمر مثل مباراة لكرة قدم بين لاعبين أو ثلاثة فقط من نفس الفريق كل منهم يركل الكرة ذهابا وإيابا للآخر.

الطريقة التي تعاملت بها الحكومات مع الأزمة المالية في عام 2008 كانت أساسا عبارة عن تغطية لخسائر الشركات، وإنقاذها، وعزلها من عواقب فسادها وجشعها، فقاموا بضخ الأموال في حساباتهم ظاهريا لتشجيعهم على الاستثمار، وتوزيع تلك الأموال في المجتمع من خلال توفير فرص عمل والإقراض المسؤول للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، ولكن هذه الأموال ذهبت فقط إلى جيوبهم، لأن هذا ما هم مبرمجون على القيام به متى رأوا الأموال.

رواتب المديرين التنفيذيين لأكبر البنوك الأمريكية وصلت إلى 400 ألف دولار في الأسبوع الواحد خلال العام الماضي، بزيادة تقارب 10 في المئة عن عام 2014، وهذا هو مصب "التيسير الكمي" كما ترون، فهو لم يذهب لطالبي القروض التجارية الفردية أو الصغيرة، ولكنه ذهب إلى حزم رواتب المديرين التنفيذيين.

ما يبدو واضحا هو أن الشركات غير مجهزة لاتخاذ قرار إعادة توزيع الثروات بدون إكراه، فمثل هذا القرار ببساطة "غير قابل للحساب" وفقا لمنطقهم الداخلي.

فتح أقبية وخزائن تلك الشركات لا بد أن يكون الهدف الأساسي لأي ثورة في أي مكان من العالم اليوم!