بدت مبادرة المغرب الهادفة للجمع بين الفرقاء الليبيين غير متماسكة، فقد حضر ممثلوا الطرفين، عقيلة صالح وخالد المشري، إلى الرباط دون أن يقع اجتماع، غير أن مؤشرات من هنا وهناك تؤكد أن المغرب يمكن أن تكون قد ألتقطت إشارات اعتبرتها مقدمات عن قرب التسوية السياسية فسارعت باحتضان لقاءات تمهيدية بالخصوص.
كان العامل الأبرز في وقف عجلة الاقتصاد الوطني وتأزيم الوضع المعيشي للناس هو الخلاف بين الفرقاء السياسيين الليبيين، والفشل في إدارة الخلاف حتى قضى على تطلعات الليبيين في العيش الكريم وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي.
رهان القاهرة على البرلمان والجيش التابع له ودعمها الكبير لهما أوصلها إلى مأزق أفقدها الأوراق التي كانت تتصور أنها من خلالهما يمكن أن تؤمن استقرارها والحصول على جزء من الكعكة عبر الاستفادة من الثروة الليبية..
كان من أبرز دوافع التحريض ضد مدن الغرب، خاصة مدينة مصراتة، أيام الحرب في بنغازي، هو الادعاء بدعمها لمجلس شورى ثوار بنغازي، الذي قاد المواجهات ضد عملية الكرامة، وصار مصطلح "جرافات الموت" البكائية التي هيجت شرائح واسعة من سكان الشرق ضد مصراتة..
المحزن جدا تحول التدافع بين الليبيين إلى صراع صفري لا مكان للرشد فيه، فحتى بعد فشل العدوان على طرابلس وانتكاس مشروع العسكرة، ما يزال العداء هو الغالب خاصة لدى عرابي وأنصار الغلبة والسيطرة بالقوة..
حالة الاستقطاب التي انتقلت من المحلي إلى الدولي تنذر بتقسيم البلاد، وآخر تصريحات وزير الخارجية الأمريكي هي التأكيد على ضرورة سيطرة المؤسسة الوطنية للنفط على إدارة الخام الليبي من الناحية الفنية، وهناك اتجاه إلى تبني آلية لتوزيع عوائده..
اتقوا الله في ليبيا والليبيين، فقد أنهكتها الحروب، ومزقتها الصراعات، ووالله الذي لا إله غيره لو كان في قلوبكم ذرة حب للبلاد وأهلها ما بررتم العدوان ولا أيدتم الحرب، ولجنحتم للسلم، فلو لم يكن في السلم خير إلا وقف حمام الدم ومنع الدمار الذي لحق ممتلكات الناس وأرزاقهم لكفى.
إعلان القاهرة مثل ذروة التخبط المصري والعنوان الرئيسي للفشل، فقد جاء الإعلان بغرض احتواء ارتدادات هزيمة قوات حفتر في الغرب وما قد يلحق ذلك من تطورات في حال تقدمت قوات الوفاق صوب الحقول والموانئ النفطية.
لم يلتفت المتباكون على الوطن المدنس بأحذية الأجنبي إبان ثورة فبراير إلى الآلاف من المقاتلين الأجانب من ملل ونحل عدة من روس وتشاديين وسودانيين، لم يلتفتوا إلى جموع المرتزقة من أمم عدة في عدوان حفتر على طرابلس، وهو مشهد لم تعرفه ثورة فبراير ولم يتورط فيه أنصارها في العام 2011م..
أن يكون على رأس هرم السلطة التنفيذية في روسيا بوتين هذا في في حد ذاته مقلق جدا، فتدخل روسيا عسكريا عادة ما يكون وحشيا ومدمرا، وقع هذا في الشيشان وأوكرانيا، وصارت الحالة السورية هي الأكثر وضوحا لخطر التدخل الروسي في مناطق النزاع الملتهبة التي لروسيا مصالح فيها..
لن يكون للضغط الأمريكي لوقف الحرب قيمة إذا لم تنزل الدبلوماسية الأمريكية بثقلها لتنشيط التفاوض وإنجاح المسار السياسي، وهي مهمة عصية، ففرض حفتر في المشهد القادم لن يقابل فقط برفض مكونات فاعلة في جبهة الوفاق، بل سيخدم مشاريع دولية لا تسر الولايات المتحدة..
أعتقد أن قطاعا كبيرا من سكان العاصمة ومدن الجوار مهيئون لتحمل جزء من المسؤولية في مقاومة هذا العدوان الغاشم ووقف المجازر اليومية التي تقع في طرابلس، والمطلوب فقط تعبئة وإدارة هذه الجموع بفاعلية لأجل إنهاء وجود قوات حفتر في أي نقطة يمكن أن يشكل وجودها فيها تهديدا للعاصمة وساكنيها.
البعض تحدث عن سيناريو بسط حكومة الوفاق نفوذها على حقول وموانئ النفط، وهو في رأيي متعذر أمام إشكاليات الإرادة والقرار، كما أنه لن يكون مقبولا لجل الأطراف الدولية الداعمة لحفتر والتي ستعتبر هذه الخطوة بمثابة انتصار لتركيا في ليبيا..
إن حث حفتر الفاعلين في المجتمع المدني على اتخاذ قرار تاريخي يصحح المسار يظهر كم كان التغيير كبيرا في كلامه، كما أنه يكشف عن براغماتية باتت ضرورية لمواجهة المأزق الراهن، لعل المناورة تسعفه لاحتواء الصدمة، أو تنفع في الحد من آثار انكسار الموالين له في المنطقة الغربية..
أصوات عديدة صمتت لعام كامل، كنا نستحثها لتقول كلمتها في إدانة العدوان واستنكار القتل والدمار، ها هي اليوم تصدح معلنة رفضها للحرب، بعضها حمل حفتر مسؤولية الواقع الخطير الذي بات يهدد البلاد بعد إعلانه الحرب على حكومة الوفاق..
يتجه معظم من عارضوا اتفاق الصخيرات وتحفظوا على سياسة وسلوك السراج خلال السنوات التي سبقت العدوان على طرابلس إلى تأييد المحافظ، فيما يرى قطاع من أنصار الوفاق أن الكبير تعدى صلاحياته وتغول واتجه إلى سياسة تعظيم النفوذ باستخدام المال العام..