اقتصاد عربي

اقتصاد الأردن وكورونا.. خلل متراكم وخيارات حكومية ضيقة

غيرت وكالة "فيتش" تصنيف الأردن إلى "-BB"- جيتي

اتسمت تدابير الحكومة الأردنية الاحترازية  لمواجهة وباء كورونا بالصرامة والشدة، فعّلت خلالها قانون الدفاع "الطوارئ" منتصف آذار/مارس الماضي، وفرضت بموجبه حظرا للتجول وإغلاقا واسعا، ما أسهم بنتائج مرضية بالحد من انتشار العدوى.


في المقابل، دل تغيير وكالة "فيتش" لتصنيف الأردن إلى "-BB" على النظرة المستقبلية السلبية تجاه ما أحدثه الوباء في الاقتصاد، والذي شهد تباطؤا في النمو خلال السنوات الماضية.

وتوقعت الوكالة انكماش الاقتصاد الأردني بنسبة 5 بالمئة لهذا العام، واتساع عجز الميزانية العامة الحكومية كذلك بنحو 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.


بل ذهبت الوكالة إلى أبعد من ذلك بالتنبؤ بحدوث "اضطراب اجتماعي" مع ارتفاع معدل البطالة فوق 2 بالمئة خلال العام، ما يعني أن معدل البطالة سيرتفع إلى أكثر من 20 بالمئة، حيث كان 19.1 بالمئة نهاية 2019.


وتتفهم الجهات الحكومية فداحة الخسائر الاقتصادية الناجمة عن كورونا، مع وضعها معيار "الصحة أولا" كضابط لخطتها بمواجهة الوباء، وهو ما أكد عليه مرارا وزير المالية محمد العسعس، ووصف ما يدور أنه "حرب لا يمكن التوقف فيها لندب الخسائر، بل يجب إكمالها حتى الانتصار..".

 

اقرأ أيضا: "فيتش" تغير النظرة المستقبلية للأردن إلى سلبية بسبب كورونا

من جانبه، توقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الأردني 3.7 بالمئة العام الحالي، على أن يتبعه بنمو مساو خلال 2021، ما يعني أنه سيبقى دون نمو  على مدى عامين.


ويراهن العسعس على سرعة تعافي اقتصاد الأردن بعد الوباء، وزاد محافظ البنك المركزي الأردني زياد فريز في تفاؤله عندما توقع بدء التعافي نهاية الربع الثالث من 2020.

 

وتجدر الإشارة إلى أن البنك المركزي الأردني اتخذ سياسة نقدية توسعية لضخ سيولة إضافية في البنوك عبر إجراءات كان أبرزها: تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع لدى البنوك من 7 إلى 5 بالمئة، وعمل اتفاقية إعادة شراء مع البنوك بمقدار 500 مليون دينار لآجال تصل لسنة، إضافة إلى تخفيض أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية بما مجموعه 1.5 بالمئة خلال شهر آذار/مارس الماضي.

من المتضرر؟


يرى الكاتب والمحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي أنه ليس بوسع أي قطاع من الاقتصاد الأردني سواء الحكومي أو الخاص النجاة من الضرر الناجم عن وباء كورونا، والذي أجبر الإنتاج على التوقف لشهرين متتالين، ما أضر بإيرادات خزينة الدولة بصورة كبيرة، وشل حركة القطاع الخاص تماما.

 

وفي حديثه لـ"عربي21" يلفت الدرعاوي إلى أن الوباء شكل ضغوطات على الشركات والمنشآت الاقتصادية المختلفة، مما سيدفعها إلى إعادة هيكلة أعمالها، ما يعني تسريح العمالة بالدرجة الأولى.

 

كما نوه إلى أن استمرار الأزمة ربما يقود إلى إخراج قطاعات من السوق مثل قطاعات السياحة والفنادق، والمرتبطة بمدى الانفتاح في الإقليم والعالم، وقال: "لا يوجد في الأفق القريب ما يشير إلى أنها ستعود لمزاولة أعمالها بشكل صحيح".


وربط الدرعاوي العودة بالاقتصاد إلى وضعه الطبيعي بعودة الاقتصاد العالمي، وعلى الحكومة وفقا لما قاله أن "ترتب خطة اقتصادية محكمة تحفز جميع القطاعات وتزيد السيولة، وتعزز من تنافسية بيئة الأعمال، وتستغل انخفاض أسعار النفط في تخفيض كلفة الإنتاج، وزيادة الاعتماد على الصادرات، ودعم الصناعة الوطنية، وتعزيز القطاع الزراعي".

خلل متراكم

 

من جهته، يعتقد الخبير الاقتصادي مازن مرجي أن الآثار السلبية لفيروس كورونا على الاقتصاد الأردني "عمقها المشاكل الاقتصادية السابقة لتفشي الوباء، حيث تمر البلاد بتباطؤ اقتصادي ومديونية عالية منذ سنوات، بلغ إجمالي الدين الداخلي والخارجي أكثر من 30  مليار دينار أردني".

 

ونظرا لاعتماد الأردن على "إيرادات الضرائب" في تمويل أكثر من 60 بالمئة من خزينة الدولة، سيكون لتأجيل هذه المدفوعات في ظل كورونا أثر سلبي على القدرات المالية الحكومية، وفق ما جاء في حديث مرجي لـ"عربي21"، والذي رجح ارتفاع العجز الحكومي من 1.2 مليار دينار أردني (المتوقع وفق موازنة 2020 بعد المنح والمساعدات) إلى أكثر من 3.5 مليار دينار نهاية العام، بفعل أزمة كورونا.

 

اقرأ أيضا: وثيقة دولية تكشف تهريب 3 مليارات دولار من الأردن للخارج

وتساهم كذلك في "زيادة العجز" النفقات الحكومية الجارية للحد من تداعيات وباء كورونا كدعم الشركات وضخ السيولة من خلال إجراءات البنك المركزي سابقة الذكر والتي بلغت 500 مليون دينار أردني، وتأمين الرواتب والتعويضات والمساعدات الإنسانية، والتي بلغت نحو 300 مليون دينار أردني، على حد قول الخبير الاقتصادي.


خيارات الحكومة

 

ويخالف مرجي "تفاؤل" مسؤولي الحكومة تجاه سرعة تعافي الاقتصاد الأردني عقب الوباء، مبينا أن توقعاته لتعافي الاقتصاد العالمي بما فيه الأردني "لن يكون سهلا وسيحتاج إلى وقت أطول مما يرجحه المسؤولون".

 

وفي أحسن الأحوال، وفقا للخبير الاقتصادي "يمكن عودة الاقتصاد إلى 50 بالمئة من نشاطه الذي كان عليه قبل الأزمة، وسيكون ذلك بمثابة "إنجاز كبير".


وفي سياق خيارات الحكومة، يرى أنها عادة ما تلجأ إلى عمليات الاقتراض الداخلي والخارجي لسد العجز، معتبرا ذلك نابع من "فكر غير خلاق، وغير مرن".

 

تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الأردنية ماضية في استلام دفعات من قرض متفق عليه سابقا مع صندوق النقد الدولي بقيمة 400 مليون دولار.


وأوضح أن الحكومة لا تريد اتخاذ الإجراءات الأصعب وهو "تخفيض المصاريف ومحاربة الهدر الناجم عن الفساد".


ويضيف: "يجب التقشف في النفقات الحكومية في حدود الممكن، كما يعد التهرب الضريبي أحد الساحات التي لم تضبطها الحكومة إلى الآن".

 

اقرأ أيضا: هكذا تمكّن الأردن من التغلب على كورونا.. نماذج أخرى ناجحة

وأشار إلى ضرورة دمج وتحجيم وإعادة هيكلة وتوحيد أنظمة "المؤسسات الحكومية المستقلة" التي تكلف ما يزيد عن مليار ونصف دينار أردني سنويا، في حين أنها لا تقدم أي مردود عالي يجيز تميزها في الرواتب والمسميات، وإنما هي باب من أبواب الفساد لتعيين فئات معينة من المجتمع من أصحاب النفوذ ورأس المال.

 

وإلى ضرورة "الاكتفاء الذاتي ودعم الصادرات" ينبه مرجي، ويؤكد أنه "يتوجب على  الحكومة دعم القطاعات الاقتصادية التي تجعل البلد تعتمد على المنتجات المحلية، ويحقق لها الأمن الغذائي والصحي، إضافة إلى القطاعات الانتاجية التي تعزز الصادرات، وتحفظ للأردن حصة مميزة من السوق الخارجي".


ونبه إلى أن النمو الاقتصادي يعتمد على الطلب الكلي على السلع والخدمات، وهو مرتبط حاليا من جهة المواطنين بالطلب على السلع الأساسية وليس الكمالية، ونظرا لأنهم خسروا أموالهم جراء الحجر ولم يتم تعويضهم، فلن يستطيعوا العودة إلى مستوى الاستهلاك الذي كانوا عليه قبل الأزمة.