كتب

في فهم القيمة التاريخية والاستراتيجية لمصر.. قراءة في كتاب

كتاب يعرض لمبررات المكانة الحضارية التي تتمتع بها مصر (عربي21)

الكتاب: صفحات مشرقة من تاريخ مصر القديم
الكاتب: د. محمد إبراهيم بكر
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2019

على أرض مصر بدأ التاريخ يسطر أولى صفحات الإنسانية على درب الحضارة، يشهد لمصر بالريادة في الفنون والعلوم والآداب والقوانين ونظم الحكم والسياسة والاقتصاد، وأساليب الحياة المستقرة، وازدهار الفكر الديني حتى وصل إلى أقصى مراحل التوحيد والإيمان بالبعث واليوم الآخر.

يقدم الدكتور محمد إبراهيم بكر في هذا الكتاب، قبساً من هذا الفكر الحضاري المتقدم، حتى أضحت حضارة مصر زينة الدنيا ومعجزة العالمين، شاهد ذلك آثار ناطقة بالكلمة والرسم والنقش وآيات النحت والعمارة، وعلم الفلك، وعمق العقيدة وجلال تأثيرها على معالم الحضارة. وقد ركز المؤلف على الأحداث العظيمة الأساسية في تاريخ مصر القديم، مثل: توحيد القطرين، وعن الأداب في مصر القديمة وتنوعها، وأهم القصص والأساطير، وكذلك أدب النصائح الذي يعتبر على قدر عال من القيمة التربوية حتي في عصرنا الحديث، كذلك تحدث عن نشأة الفنون المصرية وتطورها من مراحلها المبكرة إلي نهاياتها المعروفة.

كما تحدث الكاتب عن الغزو الأجنبي الأول لمصر، وأول حرب تحرير في التاريخ، وقادتها العظام مثل سكنن رع وكاموس وأحمس، كذلك دور ملكات مصر العظيمات في حرب التحرير، وقادة التحرير الأساسيين في هذه الحرب أمثال أحمس، كل هذه الشخصيات العظيمة تحدث عنها وذكر دورها الهام في التاريخ.

وعندما نمت الشعوب من حول مصر، امتد عطاء الحضارة المصرية ليشملها بلا استثناء، فكان لها اليد الطولى على حضارات البحر المتوسط عندما عبرت البحر إلى جزيرة كريت، وإلى بحر إيجة وبلاد اليونان والرومان وحضارات العراق وفارس، وانتقل إشعاعها إلى النوبة وشمال السودان وإلى الحبشة، ثم امتد غرباً نحو حضارات تشاد وليبيا والجزائر ووادي النيجر.

تأثير حضارة مصر في الحضارات المجاورة لها في زمانها كان تأثيراً قوياً جدا بلغ حد تحويل عقائد وديانات لحضارات قائمة إلي ديانة مصر وعاداتها وتقاليدها، وفي الحقيقة فإن هذه القدرة علي التأثير الديني ظلت باقية في مصر حتي في عصور ضعفها.

تطرق المؤلف كذلك إلى الكثير من الموضوعات الأخري مثل: حياة الفلاح وأوضاع البلاد الاقتصادية، وأوضاعها السياسية والدينية والصراع علي السلطة والأسماء والألقاب الملكية.

من الأشياء المهمة بالكتاب أنه وضع قائمة بملوك مصر القديمة وهي قائمة امتدت في ثلاثين أسرة حاكمة، تشمل مئات الملوك العظام الذين نفخر بهم.

بداية الاهتمام بالحضارة المصرية

لم يكن العالم الحديث يعرف عن أمجاد مصر القديمة حتى زمن الحملة الفرنسية إلا النزر اليسير، وذلك من خلال بعض ما كتبه الرحالة الإغريق والرومان القدماء، وبعض ما ورد عن الشرق في الكتب المنزلة كما جاء في كتاب العهد القديم، ثم ما ورد في القرآن الكريم عن مصر، وقوم فرعون، وقصة خروج اليهود منها مع نبي الله موسى عليه السلام، وعندما انتقل مركز الثقافة الحضاري من مصر وبابل إلى اليونان، وأصبح الإغريق سادة العالم القديم، شرعوا يبحثون عن الأصول الأولى للحضارة الإنسانية فولوا وجوههم شطر مصر، فحضر إلى مصر كثير من المفكرين والرحالة الإغريق، لينهلوا من المنابع الأصلية للفكر والفن.

يقول المؤلف في (صفحة 15): "وأقدم هؤلاء الرحالة هو هيكاتيوس الملطي الذي زار مصر حوالي سنة 520 ق.م، وكتب عن الحياة المصرية بعد أن عاش بين كهنة آمون ومال إلى ديانتهم. فما أن أقبل الرحالة الإغريقي هيرودوت أشهر أولئك الرحالة الأوائل على الإطلاق والملقب بأبي التاريخ في منتصف القرن الخامس قبل الميلاد، حين كانت مصر تحت نير الاحتلال الفارسي، حتى وجد عالماً عجيباً ـ على حد قوله ـ وحضارة تميل نحو المغيب، فأخذ يجمع معلوماته مما تبقى في أذهان أولي العلم، وكانت المعرفة وقفاً على الكهنة في ذلك الحين.. مكث هيرودوت في مصر حوالي أربعة أشهر، دون فيها كل ما رأى وسمع، وسجل كل ذلك في كتابه الثاني الذي اختص به مصر وأهلها، ضمن مؤلفه الضخم (تمحيص الأخبار)، الذي تحدث فيه عن أسفاره في العالم القديم".

وفي زمن البطالمة خلفاء الأسكندر الكبر في مصر، الذين سيطروا على أمور الحكم فيها حوالي 300 سنة، كلف الملك بطليموس الأول سنة 286 ق.م، كاهناً مصرياً يدعي مانيتون، من معبد إيزيس في سمنود عاصمة الإقليم الثاني عشر من أقاليم الدلتا، بكتابة مؤلف تاريخي لمصر القديمة، وكان مانيتون إلى جانب معرفته لغة بلاده يتقن الإغريقية التي ألف بها ما يربو عن الثمانية مؤلفات عن العقائد والتقاليد الدينية، فشرع ينقب في وثائق المعابد التي كانت بمثابة دور المحفوظات للأقاليم المختلفة، فأخرج كتابه "AigyptiakaK" تاريخ مصر، الذي يعد من أهم مصادر تاريخ مصر القديمة.

 

حدث الكاتب عن الغزو الأجنبي الأول لمصر، وأول حرب تحرير في التاريخ، وقادتها العظام مثل سكنن رع وكاموس وأحمس، كذلك دور ملكات مصر العظيمات في حرب التحرير، وقادة التحرير الأساسيين في هذه الحرب أمثال أحمس، كل هذه الشخصيات العظيمة تحدث عنها وذكر دورها الهام في التاريخ.

 


يقول المؤلف في (صفحة 16): "مانيتون هو صاحب فكرة تقسيم تاريخ مصر القديمة إلى أسر حاكمة بلغت الثلاثين، وعنه نقل من أتى بعده، وقد ضاع المؤلف الأصلي لمانيتون، وقيل أنه راح ضحية حريق مكتبة الأسكندرية الذي حدث قبيل الفتح الإسلامي لمصر، ولم يبق منه إلا قوائم بأسماء الملوك وأسرهم فقط، ووصلتنا أخبارها عن طريق غيره ممن نقل عنه من المؤرخين أمثال يوسف اليهودي في القرن الأول الميلادي في كتابه "الرد على أبيون"، والمؤرخ جوليوس أفريكانوس حوالي عام 220م، وكذا المؤرخ يوزيبوس عام 320م. 

وفي نهاية القرن الرابع قبل الميلاد حضر إلى مصر فيلسوف الإغريق العظيم أفلاطون ليستقي الحكمة والمعرفة ويلم بأصول المعتقدات والمعارف المصرية. ويلي هيرودوت في الأهمية المؤرخ ديودور الصقلي، الذي زار مصر عام 59 ق.م، وكان النفوذ الروماني حينذاك مسلطاً على الجزء الأكبر من العالم القديم، وكتب عن مشاهداته في الكتاب الأول من مكتبته التي ضمنها أربعين مؤلفاً. ولعل خير من كتب بعد ذلك عن مصر هو المؤرخ الإغريقي بلوتارخ الذي زار مصر بعد أن دخلت في حوزة الرومان، واشتهر بكتاباته عن العقائد المصرية، وكتب عن السطورة المصرية الشهيرة إيزيس وأوزيريس".

كما وردت إشارت مختلفة عن مصر في كتابات المؤرخين العرب، فالمقريزي (1364/1442م) ـ وهو مصري من القاهرة ـ قد وهب نفسه للتاريخ المصري والآثار القديمة، واهم مؤلفاته "المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار" عبارة عن تاريخ لمصر وآثارها القديمة. ثم الأسيوطي (1445/1505م) الذي كتب عن تاريخ مصر القديمة والحديثة في ذلك الوقتبالإضافة إلى تاريخ الخلفاء الراشدين في مؤلف حمل اسم "حسن المحاضرة".

تلك المؤلفات العربية بالإضافة إلى ما سبق ذكره من المؤلفات الإغريقية كانت إلى ما قبل حملة نابليون على مصر هي المرجع الأساسي بالنسبة لتاريخ مصر القديم.

وكان لفريق العلماء الفرنسيين وعددهم 150 عالماً بالإضافة إلى عدد من كبار الرسامين الذين رافقوا نابليون بونابرت في حملته على مصر، الفضل في إعادة الكشف عن أمجاد الحضارة المصرية القديمة، إذ انتشروا في جميع أرجاء البلاد يسجلون كل ما شاهدوه من آثار البلاد بالرسم والوصف الدقيقين، وخرجوا على العالم الحديث بمجموعة أسفار "وصف مصر" ابتداء من عام 1809. ويعود الفضل الأكبر للعالم الفرنسي الشاب شامبليون في فك رموز اللغة الهيروغليغية، ووضع الأساس لعلم الدراسات المصرية.

الإيمان بالبعث

آمن المصريون القدماء بخلود الروح وبالبعث، وسيطر هذا الاعتقاد عليهم فطبع حضارتهم بلون خاص، وكان للطبيعة المصرية أثر كبير في رسوخ تلك العقيدة بينهم منذ أقدم الأزمنة، فالنيل معلمهم الأول كان يأتيهم بفيضه في ميقات معلوم فيغمر الأرض الهامدة ويهيؤها للزرع، ثم ينحسر عنها ليعود إليها بعد حين بأمر ربه، والحياة الزراعية هي زرع وحصاد ثم إعادة زرع فحصاد، وكواكب السماء كالشمس والقمر ما تكاد تختفي في الغرب حتى تعود للظهور في الأفق الشرقي، وهكذا ميلاد فحياة ثم موت فبعث، وحياة الإنسان في ظنهم لا يمكن أن تنفصل عن كل تلك الظواهر الطبيعية من حولهم.

لم يكن المصري القديم ليقنع أبداً بان حياة المرء تنتهي إلى الأبد بالوفاة، وإنما اعتبر الموت نهاية مرحلة مؤقتة وبداية مرحلة حياة خالدة تعود فيها الروح إلى الجسد ليحيا إلى الأبد، ومن أجل ذلك زود الميت منذ أقدم العصور بكل الضروريات التي يحتاج إليها في العالم الآخر. 

وبذل القدماء عناية فائقة لحفظ الجسد بتحنيطه وحفظه في مقابر حصينة، وصنعوا التماثيل لصاحبه على شاكلته زيادة في الحذر وليتجنبوا عدوان الزمان، وتطورت مقابرهم من مصاطب، وهو الشكل المستطيل التقليدي الذي يشبه الكوخ، إذ كانت أبسط صورة للميت أنه نائم في بيته، إلى أهرامات ضخمة أغلقت مداخلها وممراتها بكتل هائلة من حجر الجرانيت ليستحيل اقتحامها. ونصوص الأهرام التي تعتبر أقدم الآداب الدينية المدونة، هي مجموعة من أناشيد وتمائم تحتوي على كثير من السحر للحماية والوقاية من شرور العالم الآخر، وتتضمن مراثي للملك المتوفي، وتمائم يفترض أنها تساعده على البعث واستعادة حواسه.

 

كان لفريق العلماء الفرنسيين وعددهم 150 عالماً بالإضافة إلى عدد من كبار الرسامين الذين رافقوا نابليون بونابرت في حملته على مصر، الفضل في إعادة الكشف عن أمجاد الحضارة المصرية القديمة،

 



وإلى جانب اعتقاد المصري في البعث، فإنه آمن بالحساب أي بالثواب والعقاب في العالم الآخر، وسيطر هذا الاعتقاد على أفعال الناس في الحياة الدنيا، فوضعت للحياة تقاليد ومفاهيم، وفصلت الحدود بين الخير والشر، وأصبح الخير هدفاً في حد ذاته، وهناك من الدولة القديمة ضمن تاريخ حياة احد حكام إقليم إلفنتين (أسوان) المدعو (حور خوف)، وكان من اوائل الرحالة الأقدمين، ما يوضح حرص المصري على فعل الخير، إذ يقول: "لقد كنت محبوباً من والدي، ممدوحاً من أمي، ومن أخوتي، فأنا أعطيت الخبز للجائع، والكساء للعاري، وساعدت من ليس لهم قوارب على العبور، وفيما يتعلق بأي امرئ يتجرأ ويدخل مزار هذا القبر وهو قذر، فإنني سألوي عنقه مثلما أفعل بطائر، وسوف يعاقب عليها بواسطة الإله الأكبر، فأنا لم أقل إلا ما هو طيب حميد، ولم أردد إلا ما هو محبوب، ولم يسبق أن وشيت بأحد من الناس لدى عظيم من العظماء، لأني أرغب في أن يطيب ذكري عند الإله العظم، ولم أوقع بين أخوين، ولم أفرق بين الأب وابنه".
 
والمقصود بالإله الأكبر هو الإله أوزيريس ملك العالم السفلي، ورئيس محكمة الموتى حيث يؤتى بكل من غادر الحياة لكي يحاسب على أفعاله، وتعطينا برديات من الدولة الحديثة والتي تعرف مجازاً باسم "كتاب الموتى" صورة واضحة المعالم بالرسم والوصف لكل ما يدور خلال تلك المحاكمات:

فأمام الإله أوزيريس الجالس على عرشه، ومن خلفه إثنان وأربعون قاضياً يمثلون عدد أقاليم مصر كلها، وضع ميزان، وفوق إحدى كفتي الميزان يوضع قلب من يحاكم، ويقابله على الكفة الأخرى رمز العدالة وهو عبارة عن ريشة، وعلى عكس الآية الكريمة "فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه فأمه هاوية، وما أدراك ما هية، نار حامية"، إذا ما ثقلت كفة القلب فمعنى ذلك سوء المصير، حيث يتلقفه وحش ضخم على هيئة تمساح، أو يلقي به في نار جهنم خالداً فيها.

تطور فن العمارة

لا جدال في أن فن العمارة كان من أهم إنجازات الحضارة المصرية القديمة على مدى نحو ثلاثين قرناً من الزمان، فإلى جانب الأهرام وعمائر الأسرة الرابعة التي تميزت بالضخامة الهائلة، وترمز إلى الخلود والقوة، بنى ملوك الأسرة الخامسة معابد خصصت لعبادة الشمس، وتعتبر المجموعة المعمارية الخاصة بالملك منتوحتب الثاني من أهم آثار الدولة الوسطى، والتي أقامها الملك بمنطقة الدير البحري غربي طيبة على مدرجات صخرية لتتناسب وظروف المكان، فكانت مثلاً أعلى للفنان المهندس سنموت الذي صمم معبد ومقبرة الملكة حتشبسوت من الدولة الحديثة، والذي يقع إلى جوار مجموعة منتوحتب مباشرة.

 

يُعتبر معبد الكرنك سجلاً وافياً لتاريخ البلاد في زمن الدولة الحديثة، حيث صُورت وسُجلت على جدرانه حوليات المعارك الحربية، وبدت في عمائره آثار المنازعات بين أفراد البيت الحاكم، كما سجل أيضاً التطور السلمي للبلاد خلال تلك المرحلة.

 



أما الكرنك أو فاتيكان الشرق، فهو أكبر مجموعة مركبة من المعابد تنتمي إلى أجيال متعاقبة في العالم، وجدت نواتها منذ بداية الدولة الوسطى، وتعد قاعة الأعمدة الكبرى بالكرنك من روائع المنجزات المعمارية المصرية، وقد أشرف على بنائها كل من الملك سيتي الأول وابنه رمسيس الثاني، والقاعة مسقوفة وبها 134 عموداً أقيمت في 16 صفاً في مساحة 50 ألف متر مربع على هيئة جناحين وممر متوسط، استغل المهندس الفرق في الارتفاع بين أعمدة الوسط والجناحين لعمل فتحات على هيئة نوافذ حجرية ضخمة للإضاءة والتهوية.

يُعتبر معبد الكرنك سجلاً وافياً لتاريخ البلاد في زمن الدولة الحديثة، حيث صُورت وسُجلت على جدرانه حوليات المعارك الحربية، وبدت في عمائره آثار المنازعات بين أفراد البيت الحاكم، كما سجل أيضاً التطور السلمي للبلاد خلال تلك المرحلة.

أما معبد أبيدوس، فله أهمية خاصة من الناحية التاريخية، لأنه قد عُثر على أحد جدرانه الداخلية على قائمة بأسماء ملوك مصر القديمة منذ أقدم العصور حتى زمن إقامة هذا المعبد، وبُني المعبد في تلك البقعة المقدسة في نظر القدماء، حيث كان يُعتقد أنها مأوى أوزيريس.

مظاهر النظافة عند المصري القديم

بينت أعمال الحفائر في قصر رمسيس الثالث في مدينة هابو بالبر الغربي لمدينة طيبة، أن المصري القديم كان يعرف دورات المياه أو المرحاض بكل ما يعنيه ذلك من مظاهر النظافة العامة، ويؤكد المؤلف أن القواعد الصحية وأصول النظافة العامة كانت من تقاليد المصريين القدماء عامتهم وخاصتهم، وكانت النظافة عندهم من الإيمان بالألهة، فكانوا يداومون على حلاقة الرأس والذقن، ويستعملون الشعر المستعار في مناسباتهم المختلفة، كما أن عادة الختان للذكور وهي أصلاً من أمور النظافة العامة نشأت في مصر القديمة، وهناك في إحدى مقابر منطقة أهرام الجيزة من الدولة القديمة وهي مقبرة تسن، صُورت العملية بتفاصيلها. وفي نفس المقبرة منظر قص الأظافر، وكانوا يستعملون ملح النطرون لغسل الفم والأسنان مثل الصابون، وكان دخول أحدهم وهو قذر إحدى المقابر أو الأماكن المقدسة من الأمور الممنوعة قطعياً.

كما عرف المصريون ألوان الطيب والعطور، يتطيبون بها في اجتماعاتهم، وكان الملك إذا ما أراد تكريم أحد رجاله المخلصين يأمر بأن يطيب بالعطور الملكية.

الهكسوس.. أول غزو أجنبي لمصر (1650 ـ 1542)

دار الزمن دورته، وانحدرت البلاد نحو الهاوية بشدة، عندما انتهت الأسرة الثالثة عشرة، وكان السبب الرئيسي لهذه الفوضى هو الحرب الأهلية والتنازع على الزعامة، وأدى هذا الخلاف إلى ضياع استقلال الوطن، إذ دخله الهكسوس، ولم يكن في البلاد قوة تستطيع الوقوف في طريقهم.

حكم الهكسوس مصر نحو قرن من الزمان، وكان لحكمهم للبلاد أثر كبير في تغيير وجه الحياة فيها، فعلى الرغم من المحن الجبارة التي ابتليت بها مصر على أيدي الغزاة الغرباء، وما أصاب أهلها وآثار ملوكها الأولين من أهوال، إلا أن المؤلف يرى أن هذا العصر لم يخل من حسنات: فبفضل العربة الحربية والحصان استطاعت مصر فيما بعد أن تكون إمبراطورية، وعلى أثر غزو الهكسوس تنبه المصريون إلى حقيقة تعرض بلادهم لأخطار تأتيها من الشرق، فعملوا على تأمين تلك المناطق.

طرد الهكسوس وحروب التحرير

قامت الثورة المسلحة ضد حكم الهكسوس تحت راية الدين، واستعان الملك سقنن رع بأوليائه من أهل الصعيد، وكانت تشاركه في الجهاد زوجته الملكة إياح ـ حتب، أم خليفتيه، وعثر على قبرها في طيبة، لكن سقنن رع سقط صريعاً في القتال، ومومياؤه بالمتحف المصري تشير إلى أنه سقط نتيجة ضربات من فأس حرب أسيوية مما كان يستعمله الهكسوس، ومات الملك بعد أن وضع الأساس لبناء نهضة حديثة. وخلفه ابنه كامس، صاحب الفضل في تطهير مصر الوسطى من الهكسوس حتى منف، وخلفه أحمس، الذي حاصر الهكسوس في عاصمتهم أواريس ذات الحصون، ثم في شاروبين بفلسطين، وعندما عقد له لواء النصر عاد وأقام نصباً تذكارياً في الكرنك، يخلد أعماله وأعمال أمه الملكة إياح ـ حتب، واحتراماً لذكراه عده المصريون قديساً بعد وفاته.