كتاب عربي 21

مثلث برمودا الإقليمي

1300x600
أعلنت الرئاسة المصرية مساء الثلاثاء (22 آذار/ مارس)، عن عقد لقاء يجمع السيسي بمحمد بن زايد ورئيس وزراء دولة الاحتلال الصهيوني، وهو لقاء جرى على عادة اللصوص في الإسرار والكتمان، لا عادة الزعماء في الإفصاح عن الزيارات قبيل حصولها. وهو لقاء بين أضلاع مثلث برمودا إقليمي يشبه مثلث برمودا في المحيط الأطلسي، الذي لا يرحم من يمر به. ولعل هذا الاجتماع ضم ولي العهد السعودي لكن الظروف لا تسمح بعد بإعلان مشاركته في لقاء كهذا، لكن المهم أن هناك اجتماعا حصل بين قيادات الشر في المنطقة، ونحن إن كنا لا ندري فحوى ترتيبات هذا اللقاء، فإنّا ندري أنهم أرادوا بنا شَرّاً ولم يريدوا بنا رَشَداً.

يتزامن اللقاء مع وجود اضطراب دولي بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو غزو ليس كسوابق الهجمات الروسية على جيرانها، فهو مرتبط بحشد سياسي عالمي ضد هذا الغزو، كما أنها عملية شديدة التعقيد في تفاعلاتها، وأي غفلة من القائمين على هذا التفاعل قد تؤدي لخروج الأحداث عن السيطرة؛ خاصة أن هناك حِدَّة ملحوظة في المواقف المتبادلة، لكن يقابلها حرص أكبر على إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة، والغرض من ذكر سيرة الاضطراب الدولي، التنبيه أنه وقت مناسب للقفزات في المواقف واكتساب أراضٍ جديدة في ظل الانشغال الدولي.
مرتبط بحشد سياسي عالمي ضد هذا الغزو، كما أنها عملية شديدة التعقيد في تفاعلاتها، وأي غفلة من القائمين على هذا التفاعل قد تؤدي لخروج الأحداث عن السيطرة؛ خاصة أن هناك حِدَّة ملحوظة في المواقف المتبادلة، لكن يقابلها حرص أكبر على إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة

في مصر قام الحاكم بأمره بتحريك سعر صرف الجنيه أمام الدولار صبيحة ذلك اليوم المشؤوم، فبدا أن النظام تحكّم في سعر الصرف لسنوات منذ أواخر 2016، وأن السعر الحقيقي للجنيه المصري ليس بالصورة المعلنة من بيانات البنك المركزي المصري، أو غيره من البنوك، مما يجدد التأكيد على زيف ألف ألف دعوى للنظام حول أدائه الاقتصادي الهش، وحول مدى صدق ادعاءات الذي يزعم أنه أمين وشريف ونزيه مع محكوميه.

كان هذا التحريك في اليوم التالي لاستقبال السيسي لمحمد بن زايد، قبيل تدنيس الأراضي المصرية بهبوط بينيت على أرضنا المحررة من أسلافه العنصريين ومجرمي الحروب. وقطعا كان أحد محاور اللقاء الأول التباحث حول التمويل الخليجي أو ما يحلو لطبيب الفلاسفة أن يسميه "الرز الخليجي"، بعد قيامه بتحريك سعر الصرف. ورغم أن هناك أزمة مالية في دول الخليج، فإن مقابل مد يد العون الإماراتية بيع حصص حكومية في العديد من المؤسسات المصرية ومنها قطاعات حيوية، مثل البنوك، أو خدمات الدفع النقدي ذات القاعدة الواسعة من بيانات العملاء، أو شركات الأسمدة التي ترتبط بقطاع الزراعة الذي يعاني من ارتفاع أسعار الخامات المساعدة في العملية الزراعية.
مقابل مد يد العون الإماراتية بيع حصص حكومية في العديد من المؤسسات المصرية ومنها قطاعات حيوية، مثل البنوك، أو خدمات الدفع النقدي ذات القاعدة الواسعة من بيانات العملاء، أو شركات الأسمدة التي ترتبط بقطاع الزراعة الذي يعاني من ارتفاع أسعار الخامات المساعدة في العملية الزراعية

هذا التوغل الإماراتي الاقتصادي في مصر كان يمكن قبوله بشرطين؛ أحدهما، حدوثه بصورة تنافسية من جهات متعددة ويتم قبول الأكثر فائدة للمصلحة الوطنية، وثانيهما، ألا يكون التوغل الاقتصادي في قطاعات حيوية تحتاج إلى حذر في الشراكة الجزئية، أو إلى منع الشراكات لأهمية القطاع، ثم يأتي عامل آخر متعلق بطبيعة المشتري المتوغل في الاقتصاد المصري، وهو ولي عهد أبو ظبي الذي يقوم بعملية تصفية للثوابت العربية ويقود مسار الارتداد أمام تطلعات الشعوب في الحرية والكرامة، وليس مستبعدا أنه يقوم بالتوغل في الاقتصاد المصري وفي قطاعات شديدة الحيوية، للتأثير على القرار المصري حال وجود ابتعاد عن توجهاته المنحرفة، وللأسف لم يكن هناك أنسب من الحاكم الحالي للبَرِّ المصري لحدوث هذا الاختراق.

الجانب المتعلق بالصفقات التجارية نعرفه لأنه جانب يصعب إخفاؤه، أما جانب الترتيبات السياسية المتعلقة بالمنطقة فهو الجانب الخفي الذي لا نعرف عنه الكثير، ويحق لنا أن نخشى من الترتيبات التي ستعقب هذا اللقاء، خاصة أن أحد الأطراف هو الجانب الصهيوني، وبالطبع ستكون القضية الفلسطينية على رأس أولويات العدو، والأطراف التي التقت به مناوئة لأبناء الدين واللغة والأرض، ومناصرة للعدو التاريخي لنا، وما سيطلبه العدو سيناله بمذلة حكامنا، ورغبتهم في نيل رضاه الذي يفتح الأبواب المغلقة في غرب أوروبا والولايات المتحدة، فحكامنا يعتمدون دوما على الخارج في اكتساب شرعيتهم السياسية، ويعتمدون على القمع في الداخل لتثبيت أركان حكمهم غير الديمقراطي وغير الرشيد.

المؤسف أن الطرفين الإماراتي والصهيوني ستكون لهما تطلعات وتوجهات سياسية، لكن صاحبنا لا توجه له، وستكون طلباته مالية فقط، وسيجلس كعادته يتحدّث في القضايا الكبرى ببساطة جلسات المقاهي من شخص محدود القدرات ولديه ثقة غير مبررة في رأيه، ثم سيبدأ في تعداد احتياجاته المالية التي ترضي أحلامه الشخصية لا احتياجات المصريين المطحونين تحت قبضته.
المؤسف أن الطرفين الإماراتي والصهيوني ستكون لهما تطلعات وتوجهات سياسية، لكن صاحبنا لا توجه له، وستكون طلباته مالية فقط، وسيجلس كعادته يتحدّث في القضايا الكبرى ببساطة جلسات المقاهي من شخص محدود القدرات ولديه ثقة غير مبررة في رأيه، ثم سيبدأ في تعداد احتياجاته المالية

أيضا، هناك ملمح هام في هذا اللقاء، فنحن أمام حضور يمثّل دولة محتلة عنصرية، وممثل لنظام عسكري دموي فاشل في الإدارة والحكم وفاقد للشرف العسكري، ونحن كذلك أمام حضور لنظام حكم وراثي مدني وليس عسكريا، لكنه يقوم بكل ما تقوم به النظم العسكرية بصورة مشابهة وأحيانا أكثر قسوة وإجراما، وهذا النموذج الأخير يستلزم عدم اختزال أسباب إخفاقاتنا في حدود النظم العسكرية التي حكمت أغلب المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية. فهناك نظم وراثية في المشرق والمغرب العربي تقوم بنفس ممارسات نظيراتها العسكرية، وهذا التشابه في نظم الحكم لا يمكن تجاهله أو اعتباره مصادفة، بل نحن أمام ترتيبات جرت لإبدال هذه النظم بالنظم المحتلة في فترات الاستعمار، ليستمر نهب قدراتنا الذاتية، ولقمع أي فرصة لصعود قوى سياسية جديدة قد تغير من شكل النظام الدولي المُحتَكَر بأيدي القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية.

سنظل نترقب مخرجات هذا اللقاء المشبوه الذي جرى للمرة الأولى في العلن بين أضلاع مثلث برمودا الإقليمي، وكما نأمل للعلماء أن يفككوا سر لغز مثلث برمودا، فنأمل كذلك أن يتم تفكيك هذا المثلث الإقليمي، بزوال حكم المستبدين، وإنهاء الاحتلال لكامل أراضينا في فلسطين وغيرها.

twitter.com/Sharifayman86