قضايا وآراء

حكومة نتنياهو- بن غفير وقضية القدس

يسعى بن غفير لتولي وزارة الأمن لتطبيق أجندته- جيتي
مقدمة

على ظهر شعارات الترحيل والضم والموت للعرب، وتوسيع الاستيطان وتهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك، نجح حزب "الصهيونية الدينية" المتطرف في تصدر نتائج الانتخابات الصهيونية (كثالث أكبر كتلة انتخابية)، والعودة بكتلة اليمين الصهيوني إلى سدة الحكم من جديد.

ولا يعني هذا  بأي حال من الأحوال أن عاصفة التطرف التي تجتاح المجتمع الصهيوني قد بدأت إفرازاتها منذ هذه الانتخابات، بل قد سبقتها رياح يمينية لا تقل تطرفاً، إلا أنها لبست أقنعة ليبرالية عبر واجهات حزبية كحزب الليكود وحزبي "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفغدور ليبرمان وحزب "المعسكر الرسمي" برئاسة بيني غانتس (ومعه مجموعة من الجنرالات الملطخة أيديهم بدماء أطفال فلسطين ونسائها وشيوخها).

لا يعني هذا بأي حال من الأحوال أن عاصفة التطرف التي تجتاح المجتمع الصهيوني قد بدأت إفرازاتها منذ هذه الانتخابات، بل قد سبقتها رياح يمينية لا تقل تطرفاً، إلا أنها لبست أقنعة ليبرالية عبر واجهات حزبية

علاوة على ذلك، فإن الأحزاب الحريدية- المتزمتة ("شاس" و"يهدوت هتوراة") قد أصبحت أكثر تطرفا وصهيونيةً من السابق، بعد أن كانت برامجها السياسية في الماضي تقتصر على تحقيق المطالب الدينية والاجتماعية لصالح منتسبي المعاهد الدينية. كل ذلك يشير إلى أن المجتمع الصهيوني يسير بثبات وبتسارع، نحو المزيد من استيلاء اليمين الصهيوني على مفاصل الدولة وأجهزتها المختلفة.

إن خطورة نتائج الانتخابات الصهيونية تكمن بأنها تشكل مرحلة جديدة، تحاول فيها الحركة الصهيونية تصحيح المسارات الاستراتيجية، عبر كسر حالة الجمود وعدم الاستقرار التي مرت بها الحكومات الصهيونية المؤقتة (منذ نهاية العام 2018) والمبادرة بصناعة الفعل وفرض الوقائع على الأرض.

هجوم استراتيجي

سعياً لاستكمال الحلم الصهيوني وحرق المراحل لاستعجال تحقيق النبوءات التلمودية من جانب، وعلى ضوء البيئة الدولية والإقليمية المشجعة (المتمثلة بالانشغال الدولي في الحرب الأوكرانية، وهرولة مزيد من الأنظمة العربية نحو التطبيع مع دولة الاحتلال) من الجانب الآخر، تحاول حكومة الاحتلال استكمال تحقيق أهداف الحركة الصهيونية بإقامة دولة يهودية "نقية من الأغيار" (السكان الفلسطينيين)، وتصفية ما تبقى من قضية فلسطين عبر الانقضاض على ما تبقى من مدينة القدس وقلبها المسجد الأقصى المبارك.

وقد تجلت إرهاصات بداية هذا الهجوم بالمناداة والمطالبة بتحطيم أهم رموز القضية الفلسطينية والمتمثلة بالمسرى والأسرى، ففي أول لقاء تشاوري جمع بين زعيم حزب "عوتسما يهوديت" إيتمار بن غفير (الذي يتطلع لتولي منصب وزير الأمن الداخلي) وبنيامين نتنياهو، وذلك في سياق المشاورات لتشكيل الحكومة المقبلة، فقد قدم بن غفير خطة تفصيلية تتمحور حول كيفية تعامل مصلحة السجون الصهيونية مع الأسرى الفلسطينيين، والمطالبة بتشديد ظروف الأسر وسحب مجموعة كبيرة من حقوقهم ومنعهم من ممارسة أي "استقلالية" لهم داخل سجون الاحتلال، إلى جانب المطالبة بسماح الحكومة المقبلة برعاية وتنظيم اقتحامات جماعية للمستوطنين للمسجد الأقصى المبارك، على مدار الساعة ودون أي تقييدات متعلقة بالوقت والزمان والمكان، والإسراع في تغيير الوضع القائم في مدينة القدس والمسجد الأقصى المبارك. ولتحقيق ذلك فقد طالب بن غفير بزيادة ميزانية شرطة الاحتلال بمقدار تسعة مليارات شيكل، كما وطالب العمل على تغيير تعليمات فتح النار تجاه الفلسطينيين لتصبح أكثر مرونة.

فيما يتعلق بقضية القدس على وجه الخصوص، لا بد من الإشارة إلى انتقال الموقف الصهيوني من التحرك التكتيكي إلى الهجوم الاستراتيجي، فبينما يتحول زعران المستوطنين إلى وزراء في الحكومة المقبلة، فإن السياسات والإجراءات التي مورست خلال السنوات الأخيرة ستختلف عما هو آتٍ، وشكل الاستفزازات التي كانت تدور داخل المسجد الأقصى المبارك وما حوله

وفيما يتعلق بقضية القدس على وجه الخصوص، لا بد من الإشارة إلى انتقال الموقف الصهيوني من التحرك التكتيكي إلى الهجوم الاستراتيجي، فبينما يتحول زعران المستوطنين إلى وزراء في الحكومة المقبلة، فإن السياسات والإجراءات التي مورست خلال السنوات الأخيرة ستختلف عما هو آتٍ، وشكل الاستفزازات التي كانت تدور داخل المسجد الأقصى المبارك وما حوله، والتي عبّر عنها المستوطنون بممارسة طقوسهم التوراتية المختلفة (خلال الأعياد اليهودية) ستؤول إلى مناسك دينية تُمارس على طول العام، لتكون محل إجماع لدى شريحة واسعة من جمهور دولة الاحتلال، بينما استهداف الفلسطيني المقدسي على كافة الأصعدة (رزقه وبيته وتعليمه.. وغيرها) سيزداد ضراوة إلى حد الجنون.

علاوة على ذلك، فإن ما يُعرف بقانون "التغلُّب" والذي سيسمح لأعضاء الكنيست عبر أغلبية بسيطة من 60+1 بإصدار قرارات واجبة التنفيذ، لا يمكن للمحكمة العليا الحؤول دون تنفيذها أو عرقلتها، سيساهم في تجاوز كل العراقيل التي عطلت في السنوات الماضية من حسم بعض القضايا العالقة، لصالح مشروع التوسع الاستيطاني في مدينة القدس وما حولها، ومنها:

1- ضم منطقة الخان الأحمر سيكون على رأس أولويات حكومة نتنياهو- بن غفير، وذلك عبر خطة لبناء قرية صغيرة للسكان البدو المقدسيين، ومصادرة بقية الأراضي لصالح مخطط E1 الاستيطاني، والذي يهدف إلى تحويل مدينة القدس إلى مستوطنة كبرى تهيمن على قلب الضفة الغربية، وتعزل شمالها عن جنوبها.

2- الاستمرار في مشروع "قضم" المسجد الأقصى (مكانياً)، وذلك عبر تعزيز الوجود الصهيوني في ساحاته ودون أي تراجع عن أداء الطقوس التلمودية (باعتبارها مسلّمات)، وتحويلها إلى مناسك عبادة روتينية، علاوة على تنسيق الجهود المشتركة بين جهاز الشرطة والجمعيات الاستيطانية لإدارة الاقتحامات وتعزيزها بشكل متسارع، والمطالبة بفتح مزيد من بوابات المسجد الاقصى أمام المقتحمين. من الجانب الآخر، ستعمل سلطات الاحتلال على فرض مزيد من القيود للحيلولة دون وصول فلسطينيي الداخل المحتل (الذين يمتلكون حرية الحركة والتنقل) للرباط في المسجد الأقصى المبارك.

3- التغول على الوجود المقدسي في مدينة القدس عبر تعزيز سياسة الترحيل وسرقة ممتلكات المقدسيين، فضلاً عن التركيز على منطقتي الشيخ جراح وسلوان (حيث نجحت حكومة الاحتلال في احتواء الزخم الإعلامي والشعبي عبر متاهة المحاكم والقضاء الصهيوني)، فسقوط أي شبر في هاتين المنطقتين الاستراتيجيتين سيزيد من شهية مصادرة المنازل والسطو على ممتلكات أخرى في كافة الأحياء المقدسية من قبل الجمعيات الاستيطانية.

4- في إطار تفريغ المدينة من سكانها المقدسيين ستمارس سلطات الاحتلال مزيداً من إجراءات سحب هويات المقدسيين وطردهم عن مدينة القدس، وذلك لتقليص الوجود المقدسي لأقل من 20 في المئة من إجمالي عدد السكان.

5- أسرلة التعليم عبر فرض منهاج وزارة المعارف الصهيونية على الطلبة المقدسين، وقد شهدت بداية السنة الدراسة الجارية حملة غير مسبوقة ضد المدارس المقدسية، والتهديد بسحب تراخيص ست مدارس مقدسية (مدرسة الإبراهيمية وخمس مدارس من مدارس جمعية الإيمان) التي تحايلت في السنوات الماضية على تدريس المنهاج الصهيوني.

خلاصة

* علينا ألا نهوّل ولا نبالغ في تقديراتنا لنتائج الانتخابات الصهيونية، وذلك أن تغيير حراس السجن الذي يعيش فيه شعبنا لا يعني أن "الحراس الجدد"؛ سموترتش وبن غفير سيختلفان عن رحبعام زئيفي الذي تمت تصفيته جسدياً بيد المقاومين الفلسطينيين، وليبرمان (وزير الجيش السابق) الذي تم تحطيم عنجهيته (بتوقفه عن عرض الحلول الأمنية المتعلقة بقطاع غزة) نتيجة لصواريخ المقاومة، والتي أدت كذلك لتفكيك الحكومة الصهيونية وإلى حالة من التخبط وعدم الاستقرار السياسي-الداخلي الذي استمر قرابة أربع سنوات متتالية.

* بشكل عام كانت مخططات حكومة الاحتلال وأجهزتها المختلفة في السابق تجري وتُنفذ على نار هادئة، بينما ستكون هذه المخططات في الفترة القليلة المقبلة أكثر حدة وتطرفاً، مصحوبةً بضجيجٍ كبير يتعمد إحداثه كل سموترتش وبن غفير، واللذين تتملكهما الروح الكاهانية- الفاشية، وفي سبيل الاستفزاز وإثارة الضجيج يكفي أن نتذكر المكتب المتجول الذي كان ينصبه (النائب السابق) بن غفير في حي الشيخ جراح، فكيف سيتصرف بن غفير وزيراً للأمن الداخلي بعد أن نال صلاحيات واسعة تحت مسمى "وزير الأمن القومي"؟!.

* مما لا شك فيه أن ما حدث هو تحدٍ من العيار الثقيل لكنه ليس نهاية الفصول، بل هو عبثٌ جديد ببرميل بارود قد أظهرت الشهور القليلة الماضية أن فتيله آيل للاحتراق، دللت عليه العملية التي نفذها عدي التميمي على حاجز مخيم شعفاط، وإعلان الحاضنة الاجتماعية حالة العصيان المدني والإضراب الشامل، وما تبعها من عمليات نوعية ليس آخرها عملية التفجير المزدوجة في مدينة القدس، والتي أسفرت عن مقتل مستوطنين صهيوني واصابة أكثر من 19 آخرين.
ما حدث هو تحدٍ من العيار الثقيل لكنه ليس نهاية الفصول، بل هو عبثٌ جديد ببرميل بارود قد أظهرت الشهور القليلة الماضية أن فتيله آيل للاحتراق

المتشابه بين عملية الشهيد عدي التميمي وعملية التفجير عكس بشكل واضح حالة الإرباك التي تسود أوساط الأجهزة الأمنية، بعد أن فشلت بالتنبؤ عن إمكانية حدوث العملية وإحباطها سلفاً، بينما استطاع المنفذون في كلتا العمليتين اختيار أهدافهم بدقة، وفي مناطق محكمة السيطرة (كاميرات في كل زاوية وشارع) وإيقاع قتلى أو "ضحايا" وبث حالة الهلع بين صفوف العدو، وأخيراً الانسحاب بسلام، مما أثار لدى الأجهزة الامنية تساؤلات ومخاوف لم يعتادوا عليها من قبل، تتعلق بتفاصيل تنفيذ هذه العمليات، واحتمالية وجود خلايا منظمة، لديها القدرة على امتلاك أدوات المقاومة، مطلعة على تفاصيل المكان، وقادرة على تنفيذ هجمات في مناطق أخرى (عملية عدي التميمي في مستوطنة معاليه أدوميم)، تنسحب بسلام وتؤويها حاضنة اجتماعية.

* أخيراً، فإن دور القيادة يكمن في تحويل هذا التحدي إلى فرصة، من خلال عبور مرحلة جديدة من الصمود وحماية الحاضنة الاجتماعية من جانب، وتفعيل وتصعيد المقاومة بكافة أشكالها من الجانب الآخر، والعمل على نقل المعضلة الأمنية نحو جبهة العدو الداخلية على غرار شهر آذار/ مارس "الأسود" (كما يصفه الصهاينة) عام 2002 والذي دفع بشارون (ملك اليمين الصهيوني)، لإعادة حساباته ومراجعة جدوى الاحتفاظ بالأراضي الفلسطينية المحتلة (ابتداءً من قطاع غزة).