ملفات وتقارير

بين خوفهن من الاغتصاب والحديث عن الانتحار.. ما الذي يحصل للنساء السودانيات؟ (شاهد)

تابعت "عربي21" عددا من الحسابات السودانية ورصدت جُملة من قصص النساء في ود مدني- جيتي
غصّت منصات التواصل الاجتماعي، خلال الأيام القليلة الماضية، بمنشورات ومقاطع   فيديو تشرحُ ما وُصف بـ"الفجائع التي تعيش على إيقاعها النساء السودانيات"؛ بفعل انتشار عمليات الاغتصاب و"توظيف ذلك كسلاح لإذلال السودانيين وكسر عزيمتهم".


ومع تسارع رواد مواقع التواصل الاجتماعي، في كل من السودان وعدد من الدول العربية، خاصة على منصة "تيكتوك"، في تسليط الضوء عن الأحداث الجارية في السودان، حضر الوصف، وغاب المشهد الموثٍّق، من عين المكان، إلّا من بعض الفيديوهات التي تم تداولها على نطاق واسع، توثق للحدث الجلل من من قلب مدينة ود مدني، وهي ثاني أكبر المدن بعد العاصمة الخرطوم، وتعيش ما يوصف بـ"الكارثة الحقيقية التي لا يلتفت إليها الكثيرون".

سودانيات يحكين
رصدت "عربي21" جُملة من التغريدات والمنشورات التي تتحدث عن كون النساء في السودان، تشهد فاجعة، بتن معها إمّا خائفات من الاغتصاب، أو باحثات عن موانع الحمل الطارئة، أو حتى فتوى شرعية تبيح لهن الانتحار. وهو ما دق ناقوس الخطر، عن واحدة من أبشع الأنباء التي يتم تداولها.


وتفاعل الآلاف من رواد مختلف منصات التواصل الاجتماعي، مع وسم "احموا النساء من الاغتصاب" في السودان، في الوقت الذي أعلن فيه الجيش السوداني، عن انسحاب قواته من مدينة ود مدني، في ولاية الجزيرة، واستيلاء قوات الدعم السريع عليها. 

تابعت "عربي21" عددا من الحسابات السودانية في مختلف منصات التواصل الاجتماعي، ورصدت جُملة من قصص النساء في ود مدني، وبَحثهن عن حبوب منع الحمل أو حبوب الإجهاض، فضلا عن سُؤالهن بخصوص شرعية الانتحار، خوفا من اغتصابهن؛ خاصة على صفحة "احكي" العربية، التي يتابعها مئات الآلاف من الأشخاص، على منصة "انستغرام".



نساء كثر وثقن من خلال شَهاداتهن ما تعرّضن له، وتحدّثن عن حالات "اغتصاب جماعي". مؤكدات على أن الأمر لا يرتبط بمدينة ود مدني فقط، بل "كان سلاحا يتم استخدامه في كل المعارك، منذ بداية الحرب الأهلية في السودان التي اندلعت في نيسان/ أبريل من العام الحالي".

تبادل الاتهامات
في ظل تسارع التفاعل في الفضاء الرقمي، مع نساء السودان، والتأكيد على التضامن معهن، وتوجيه أصابع الاتهام لعدد من الجهات داخل السودان؛ اتهم الجيش السوداني قوات الدعم السريع بـ"تنفيذ عمليات اغتصاب الحرائر، وتشريد المواطنين من منازلهم وقيامهم بأعمال بلطجة ضدهم"، وفق بيان للناطق باسم القوات المسلحة السودانية.


من جهتها، نفت قوات الدعم السريع، في بيان لها، التهم الموجهة إلى عناصرها الذين ظهروا في مقطع الفيديو المتداول لعملية "الاغتصاب"، بالقول إنه "مفبرك من قبل قوات الجيش لإثارة مشاعر السودانيين في محاولة يائسة لكسب التعاطف الشعبي".

لعل ما جعل الأخبار عن النساء في السودان، تتسارع في النشر، خلال الأيام القليلة الماضية، على الرغم من أن الحرب في البلاد قائمة منذ أشهر، تداول الصحافة الدولية لها، من قبيل تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، الذي جاء فيه: "إن النساء والفتيات في السودان تكافح للحصول على وسائل منع الحمل الطارئة وأدوية الإجهاض، وهن في أمس الحاجة إليها".

ونقلت الصحيفة، عن ناشطة سودانية، قولها: "العديد من النساء يلجأن إلى الأساليب التقليدية مثل الغسول المهبلي بالأعشاب، أعرف امرأة تعرضت للاغتصاب من قبل 3 رجال، وهي لا تعرف ما إذا كانت حاملا أم لا، لم تكن قادرة على الحصول على الدواء المناسب".

ما بين البلاغات والفضاء الرقمي
أشارت تقارير لعدد من المنظمات الدولية، بينهم العفو الدولية، وتصريحات لكلٍ من مفوّض الأمم المتّحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، والمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، بأصابع الاتهام، إلى عناصر الدعم السريع، بارتكاب جرائم الاغتصاب، من بينها تقرير "بي بي سي عربي" الذي أورد ثلاث شهادات لنساء اتهمت عناصر الدعم السريع باغتصابهن.


وتقول "وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل": "بلغ إجمالي حالات الاعتداء الجنسي في الخرطوم 42 حالة، وفي نيالا 25 حالة، بينما سجلت في الجنينة 21 حالة عنف جنسي مرتبط بالنزاع، وفيما كانت جُل البلاغات في الخرطوم، ضد قوات الدعم السريع، أفادت كافة الناجيات في نيالا والجنينة بأن "الاعتداءات كانت على يد قوات الدعم السريع".


وتوضح رئيسة الوحدة، سليمى إسحق، بأن "حالات اغتصاب مؤكدة طالت فئات عمرية مختلفة تراوحت بين 12- 56 عاما؛ وأن أغلبهن واجهن الاغتصاب وتبعاته دون عون طبي، أو دعم نفسي، حيث لجأت المصابات للتداوي بالماء والأعشاب، في حين تكتمت العديد من الناجيات عن توثيق حَالتهن خشية الفضيحة ونظرة المجتمع".


وفيما أشارت الوحدة، كذلك، إلى "تنامي ظاهرة الاستهداف العرقي للنساء والفتيات، ما يعد تزايدا نوعيا في جرائم العنف الجنسي المتصل بالنزاع في السودان"؛ قامت منظمة "لا لقهر النساء"، وهي منظمة سودانية مستقلة، بتحميل الحرب الدائرة في البلاد، مسؤولية ما تتعرض له النساء من عنف واغتصاب، داعية بذلك إلى "إلقاء السلاح".

بدورها، أكدت عضو مجموعة محامي الطوارئ، رحاب مبارك سيد أحمد، أن "مجمل ما وُثّق من المجموعة ولجنة الأطباء المركزية ومنظمات مجتمع مدني منذ بداية الحرب في السودان، قرابة 360 حالة اغتصاب في جميع أنحاء السودان".

وأردفت: "تشكل هذه الحالات التي بلّغت عن تعرضها للاغتصاب منذ بداية الحرب، واحد في المئة فقط من الحالات الفعلية، لأن هناك نساء وفتيات كثيرات يخشين التحدث عن تعرضهن للاغتصاب"، موضحة أن هذه "الجريمة موصومة مجتمعيا في السودان، حيث إن السيدات المتزوجات يخشين من انهيار حياتهن الزوجية؛ أما الفتيات، فستكون فرصها في الزواج مستقبلا متأرجحة، كما أن بعض النساء باتت تخشى الاستهداف من الجهة التي اعتدت عليها جنسيا".

ما بين القانون الدولي والمنظمات الدولية
أما في سياق إماطة اللثام عن ما يقوله القانون الدولي عن "جرائم اغتصاب النساء في السودان"، فإنه لا يفرق بين نساء ورجال، بل يفرق بين محاربين ومدنيين، والمرأة في جُل الحالات مدنية وليست محاربة؛ فيما يعتبر اغتصاب النساء إثر ذلك بـ"جريمة حرب"، كما أن هذا القانون لا يجيز لمن يحمل صفة "محارب" اغتصاب النساء أو إلحاق الضرر بالمدنيين.


إلى ذلك، دعا خبراء للأمم المتحدة، كل من القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، إلى "إنهاء انتهاكات القانون الإنساني وحقوق الإنسان"؛ معربين بذلك عن قلقهم بخصوص تقارير تفيد بأن "النساء والفتيات قد تعرضن للاختفاء القسري، وأعمال ترقى إلى الحد الذي أُجبرن فيه على السخرة والاستغلال الجنسي من جانب قوات الدعم السريع".


وكانت، منظمة العفو الدولية، قد أكدت، في تقرير سابق، نشر على موقعها، أنّ "عشرات النساء والفتيات لا تتجاوز أعمار بعضهن 12 عاما تعرضن للعنف الجنسي من الأطراف المتحاربة في السودان بل وتم احتجاز بعضهن، لعدة أيام، وفي ظروف من الاستعباد الجنسي".

تجدر الإشارة، إلى أن الحديث عن تعرض النساء في السودان للعنف الجنسي وخاصة منه الاغتصاب، ليس جديدا، حيث شهدت الحرب التي دارت في دارفور منذ عام 2003 جرائم مماثلة ضد النساء؛ حيث إنه جاء في تقرير لمنظمة العفو الدولية، في شهر تموز/ يوليو عام 2004، أن الحكومة السودانية التي كان يقودها عمر البشير، أطلقت أيدي عناصر الدعم السريع، بدوية على المجتمعات المستقرة في دارفور، أدّت للقتل والاغتصاب. 


حينها، اتهم التقرير، الجيش السوداني، بتقديم الدعم لما للعناصر التي عُرفت باسم "الجنجويد" والتي باتت فيما بعد نواة لقوات الدعم السريع. ووفقا للتقرير نفسه، فإن المنظمة أجرت آنذاك عدّة مقابلات مع جُملة من النساء اللاتي قلن إنهن "تعرضن للاغتصاب في الحرب".