مقالات مختارة

نتنياهو لا يتوقف عن المراوغة

1300x600
يبذل بنيامين نتنياهو، منذ أسابيع، جهودا مضنية لضم زعيم كتلة الاتحاد الصهيوني اسحق هيرتزوغ إلى حكومته الائتلافية، ولكنه تخلى عن الفكرة فجأة، وضم بدلا منه اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان إلى حكومته!

وقد أخذت هذه الخطوة الجمهور الإسرائيلي ومعظم المراقبين في العالم، على حين غرّة، فقبل يوم واحد من إعلان نتنياهو ضم ليبرمان، تغنى المعلقون الليبراليون باحتمالات ائتلاف حكومي بين نتنياهو وهيرتزوغ، ليتبين سريعا أنهم بنوا تقييماتهم على التفكير الحالم اكثر مما بنوها على التحليل السياسي العقلاني.

وقد تنبأ البعض بأن تتخذ حكومة الوحدة الوطنية مواقف معتدلة، الأمر الذي يخفف من وطأة الضغوط الدولية المفروضة على إسرائيل.

وقبل أيام، حين عرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المساعدة في تسهيل مفاوضات السلام الإسرائيلية ــ الفلسطينية، وسارع كل من نتنياهو وهيرتزوغ إلى تأييد المقترح المصري، أبدى المحللون سعادتهم بهذا التطور، لدرجة أن بعضهم ظن أن هناك تنسيقا مصريا ــ إسرائيليا بهذا الشأن.

بوليصة تأمين

ورأى بعض المحللين في دخول حزب «الاتحاد الصهيوني» إلى الائتلاف الحكومي، باعتباره بوليصة تأمين لضمان ألا تتخذ حكومة أوباما أو تدعم أي خطوات خارجية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة، وذلك خشية أن يؤدي ذلك إلى تعطيل الائتلاف الحكومي الهش في إسرائيل. ووصف كاتب إسرائيلي مرموق خطوة نتنياهو التي لم تتم (بضم هيرتزوغ!) بأنها «ضربة عبقرية»، تؤمن لحكومته ورقة التوت بينما تواصل سياستها الاستيطانية في الأراضي المحتلة.

وعلى الرغم من حرص كل من رئيس الوزراء اليميني وزعيم حزب الاتحاد الصهيوني (المصنف على انه حزب «وسطي») على إقامة شراكة، كل لأهدافه الخاصة، فإنها لم تتم. فقد أصبح نتنياهو يضيق ذرعا بوزير دفاعه موشيه يعالون الجريء في طرح مواقفه التي خالفت رئيس الوزراء أحيانا، علنا، خصوصا حين دافع أخيرا عن حق أفراد الجيش في الحديث عن معارضتهم للاستخدام المفرط للقوة ضد الفلسطينيين. وهكذا قرر استبداله. وقد عبر هيرتزوغ عن استعداده ليحل محله، لكنه طالب بحقيبة وزارية مهمة أخرى لحزبه، وهذا كان يتطلب من نتنياهو الاستغناء عن احد شركائه في الائتلاف، وبالتالي زعزعة التحالف اليميني، ولذلك صرف النظر عن هذه الخطوة.

فلسفة نتنياهو

ولكن مع إصراره على إزاحة وزير الدفاع وتوسيع تحالفه الحكومي، الذي يحظى بأغلبية صوت واحد في الكنيست، اتجه -فجأة- يمينا ودعا أفيغدور ليبرمان (المثير للجدل) للانضمام إلى حكومته، وعرض عليه وزارة الدفاع.

لقد كشف نتنياهو بذلك عن الجوانب الرئيسية من فلسفته في الحكم؛ فهو ملك المناورات والمراوغة، وعلى الرغم من مراوغاته باتجاه اليسار، فإنه متطرف يميني صميم، فلا نية لديه لإنهاء الاحتلال أو توفير العدالة للفلسطينيين، وحتى لو انضم هيرتزوغ إلى حكومته، فإن هدفه من ذلك هو جعله درعا للانتقادات الغربية ليس إلا، ولا يرمي إلى جعل تلك خطوة فعلية نحو السلام.

ومن المهم ملاحظة أن نتنياهو زعيم ضعيف، يخشى الآخرين دائما، سواء من داخل ائتلافه أو من خارجه، ويحرص دائما على الحفاظ على بقائه في السلطة، وعدم التنازل عن الأراضي المحتلة.

هذان الهدفان يعرفان بالرجل وبمناوراته ومراوغاته. وما من شك في أن سلوك نتنياهو مخز، كذا سلوك الإسرائيليين والأميركيين والآخرين الذين يمكّنونه من مواصلة أساليب حكمه الشريرة.
وكما أشار قائد عسكري إسرائيلي الأسبوع الماضي، فإن المجتمع الإسرائيلي وصل إلى شفير الهاوية، حيث بات أكثر تقبلا للعنف المدفوع بالعنصرية.

بعيد المنال


وعلى الرغم من أن حكومة اليمين تضم اكثر الوزراء تعصبا وعنصرية، فإن زعيم «الوسط» كان يلهث وراء الانضمام إليها لحمايتها من الانتقادات الغربية. فالأوروبيون يواصلون تهديداتهم بفرض العقوبات على إسرائيل في وجه اكبر مشروع لتوسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة. ويواصل نتنياهو تحديه لأوروبا وللمجتمع الدولي بهذا الخصوص. وقد زاد عدد المستوطنين في عهده بأكثر من 100 ألف مستوطن، وتمكن من إسكات الانتقادات الأوروبية، وعلى الرغم من تعبير الأميركيين عن عدم رضاهم عن سياسات بناء المستوطنات، فإنهم يفاوضون نتنياهو على منح إسرائيل حزمة مساعدات بقيمة 35 مليار دولار، بينما هو يطالب بــ 45 مليارا.

وهكذا، يواصل نتنياهو سياسات المماطلة من دون ضوابط، ويدفع بأجندته اليمينية بقوة. كما يستمر في تشديد قبضته على السلطة، بينما يتجه المجتمع الإسرائيلي نحو المزيد من التطرف والتعصب، ويتجه المجتمع الفلسطيني نحو المزيد من اليأس وخيبة الأمل.. وما زال السلام بعيد المنال.

(عن صحيفة القبس الكويتية)