قضايا وآراء

لماذا تنكر السيسي في لباس الواعظين؟

1300x600
برز الثعلب يوما
في شعار الواعظين
واطلبوا الديك يؤذن
لصلاة الصبح فينا

لطالما استُعملت القضية الفلسطينية كرتا توظيفيا لقضايا معينة في الداخل أو الخارج، وبالفعل خرج علينا الشيخ عمر هاشم في لباس الواعظين بخطبة عصماء في الأزهر الشريف الجمعة ثاني أيام عيد الفطر، يستنكر الاعتداء الإسرائيلي، ويمجد ضربات المقاومة والصمود الفلسطيني في الأراضي المقدسة، وبالطبع الصورة لم تقف عند هذا الحد، الشيء الذي أدهش الشعب المصري وبدأ يسترجع في مخيلته أمجاده الدفاعية أيام كانت القضية الفلسطينية تتصدر كل القضايا العربية، وربما ظن أنه أمام فيلم وثائقي أو سينمائي. ولم يتوقف هذا التحول المفاجئ في سياسات النظام المصري عند خطبة الجمعة، بل النغمة نفسها دارت على الإعلام؛ بدءا بأحمد موسى ببغاء المخابرات، إلى عمرو أديب، مرورا بنجوم الفن وبعض رجال الأعمال.

فما الذي تغير في عقيدة هؤلاء جميعا؟! بينما الشعب المصري واقف في المنتصف يتفرج على المشهد، ولم يفهم ما الذي يجري وراء الكواليس.

دون شك، فإن رياح التغيير الطارئة صادفت هوى الشعب المصري، لذلك الكل رأى كيف نزلت الناشطة إلى ساحة التحرير تحمل العلم الفلسطيني؛ فاعتقلت على الفور حتى لا يحذو الباقون المتعطشون للحرية حذوها ويمتلئ عليهم الميدان.

حركة الاعتقال هذه بالتأكيد ستزيد من حيرة الشعب وتجعله يتخبط في بحر التناقضات، ولن يفهم الصورة بأبعادها الثلاثة.

تغييب العقول محاولة فاشلة

النظام السياسي مصرّ على أن يجعل من الشعب المصري بجميع مؤسساته عرائس "ماريونيت" بالحرف، دون أن تنتابه حمرة خجل من أفعاله المتقلبة تقلب أمواج البحر.

كيف لا، والشعب المصرى لم ينس كيف ألصقت صفة الإرهاب والإرهابيين بحركة حماس على وجه الخصوص، والفلسطينيين لما عبروا الحدود وقطعوا الكيلومترات إلى أن وصلوا السجون وحرروا المعتقلين، ثم اعتصموا في ميدان التحرير! وكيف أن لهم أيادي في إرهاب سيناء.. وغيرها من السيناريوهات التي لفقها جهاز المخابرات وأمن الدولة لهم.

كما سيتساءل المصريون كيف تتناسق هذه الخطبة العصماء للشيخ عمر هاشم وبكاؤه على الضحايا من الشهداء، وهم يرون الوضع المأساوي بشكل يومي عند معبر رفح، الشريان الوحيد لقطاع غزة، كيف يظل مقفولا لشهور ولا يتم تنفيسه إلا لأيام فقط، ثم يقفل من جديد. ولا يخفى على أحد كيف يتربح النظام من العابرين للمعبر، وفي الغالب تكون حالات مأساوية مع العوز المتفاقم في قطاع غزة بسبب الحصار من الطرف الإسرائيلي أو المصري.

والسؤال المحوري: هل الشعب المصري مغفل لدرجة أنه يصدق فيلما كوميديا سخيفا كهذا؟! كما أنه لم يفته إسدال آخر ستار في فصول المسرحية، بإرسال وفود طبية لقطاع غزة واستقبال حالات حرجة من ضحايا القصف إلى مستشفيات العريش بسيناء، بالرغم أن جهات كذبت الخبر.

أما لماذا أقدم السيسي ونظامه على هذه الخطوة وارتدى لباس المروءة ودروع الشجاعة أمام الصهاينة؟!

المعروف عن السيسي أنه منذ أن كان رئيسا للمخابرات ثم وزيرا للدفاع في عهد محمد مرسي رحمه الله؛ يرقص على حبال عدة، بدليل انقلابه على الرئيس المنتخب، وكان ذلك ديدنه مع باقي العلاقات الخارجية؛ يتقلب مع تقلب المصلحة أينما صارت، حتى لو كانت في جحر ضب دخله.

لا شك أن السيسي يراقب، بخيبة، المواقف الإماراتية مع الكيان الصهيوني، وهو يشعر أن البساط يسحب من تحت أقدامه، وكيف لا وهو يرى في قرارة نفسه المرجع الأول والأخير فيما يخص القضية الفلسطينية (ففهمناها سليمان)، وأن أحداث المنطقة واللعب بملفاتها تتجاوزه رويدا رويدا، فانبرى إلى تكتيك غريب عن مبادئه، بقلب الطاولة على الجميع، وسار مع ركب الممانعة، لا سيما بعد المشهد الرائع الذي سجله الأردنيون على الحدود بين البلدين؛ والذي لا يمكن وصفه إلا بالموقف الشجاع والجَسور، وخال من المساحيق وانتهازية الأنظمة.

والتكتيك الثاني هو إلهاء الشعب عن القضية الحيوية لمياه النيل وأزمة سد النهضة.

فالكل يعلم أن السيسي اليوم مشدود بين شقي رحى؛ بين ثمن الخيانة الذي يجب أن يدفعه لبقائه في السلطة، حتى ولو كان الثمن التفريط في مياه النيل ومقدرات البلد، وبين ضغط الشعب والصورة الماثلة أمامه، فإما الموت عطشا أو الموت غرقا.

آخر خطاب للسيسي واللا مبالاة التي يتمتع بها تجاه الشعب المصري مستفزة وطافية؛ وهو يقول نحن نتابع الوضع بترقب على أساس أننا نحاول حل أزمة السد عبر المفاوضات، وهو يعلم كما الجميع أن فكرة المفاوضات هي إطالة أمد فقط، تصب في صالح إثيوبيا والهدف منها هو ربح الوقت لتعبئة المرحلة الثانية، ومن ثم حينذئذ ستخرس كل الألسنة، فلا المفاوضات ستجدي نفعا، ولا الضربة التي لوح بها السيسي في خطابه الشهير على عتبة قناة السويس ستنفذ بطائرات الرافال الفرنسية.

فهل ما يقوم به السيسي ونظامه هي زفرات النفس الأخير قبل خروج الروح، وهو يرى رصيده في مملكته الاستبدادية يتآكل يوما بعد يوم؟ أم هو واثق من نفسه يمشي بخطوات ثابتة في الاتجاه الذي يرسمه بثقة ودقة متناهية، لذلك فهو يلعب بجميع الكروت في الداخل سواء بمقدرات البلد، أو على الساحة الدولية بكل القضايا الساخنة، كالأزمة الليبية أو السودانية أو السورية وحتى اليمنية؟

فهل حان الوقت ليعي الشعب المصري أن السيسي ونظامه يحاول أن يجعل منه عرائس "ماريونيت" دون أن يرف له جفن، يلعب بمشاعرهم بين شد وجذب حسب أهوائه وأطماعه بالحفر عميقا لكرسيه الغارق في دماء المصريين، والقابع على جماجم الأبرياء؟