قضايا وآراء

خلاصات عربية غير مكتملة

1300x600
خلافا لجميع التوقعات التي تستهدف بث الأمل نهاية كل عام، والتي يحتشد لها "منجمون" ومحللون وعرافون في وسائل إعلام عربية، يتحدثون عن السياسة والفن والطبيعة والمناخ والزلازل والبراكين والموت والحياة والأمن والاقتصاد، وعن معرفتهم الحاذقة بعلم الغيب لخطف الأنظار عن واقع عربي بائس لمتخيل قادم يتيح للعربي بسط أحلامه، يؤكد التاريخ اليومي أية بشاعة مقيمة في زمن عربي سابق ولاحق. فلا يختتم العام على سبيل المثال قبل أن تدرك خبراً عن مصادقة الاحتلال الإسرائيلي على مشروع استيطاني ضخم في هضبة الجولان المحتل، مع مشاريع استيطانية مماثلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو مع تسريب أخبار تفيد بحجم الضربات الإسرائيلية على الأراضي السورية، ومباهاة موسكو بتجربة أسلحتها المتنوعة على الجغرافيا السورية وقدرتها على تثبيت الأسد، ومحاولات قيس سعيد إعدام ما تبقى من ثورة التونسيين ومطاردة رموزها، فضلا عن الانبطاح الإماراتي لتسهيل المشاريع الاستعمارية في فلسطين والهرولة الصاروخية نحو التطبيع مع الأسد ومع إسرائيل.

ومن القاهرة تأتيك الأخبار بأن رئيس محكمة جنايات "أمن الدولة العليا" في مصر محمد شيرين فهمي، يتلو حكم السجن المؤبد ضد القائم بأعمال مرشد جماعة الإخوان المسلمين، محمود عزت، في قضية "التخابر مع حماس. وهذه التهمة السياسية المعنى والمقصد تعطي الانطباع بأن لـ"التخابر" خطورة على أمن الدولة القومي والأمني والعسكري والمائي، وما إلى ذلك من ترويج مخاطر تطال السلم الأهلي والمجتمعي في دولة يُفترض أن حصن السلطة يكمن في هذا التخابر الذي تعتبره جرماً، مع تجريم قضايا كثيرة لا علاقة لها بما تدعي، كما ثبت في الوقائع والأحداث اليومية وبديهيات كثيرة لا داعي لتكرارها.

ليس في انتقائية هذه الأخبار ما يبرر تجاهل الأحداث الجارية والأخبار العربية الأخرى مع اقتراب حلول العام الجديد، وكثرة التمنيات العربية في نهاية كل عام منذ عقود طويلة تأتي في سياقات إحصاء الزمن المنقضي، مع الأمل أن يكون الغد نقيضا للأمس وسوداويته وكوارثه التي تتفاقم عاماً بعد آخر، والتي شكلت بمجملها لوحة اليوم والغد العربي. وهو أمر يتوافق والقوانين التي تحكم وتفسر التناقضات الأبدية بين الشارع العربي وأنظمته القائمة على قهره وسحقه، واستمرار دوران مدحلة الاستبداد العربي في العقد الأخير، ودخولها عتبة تواريخ محددة لاستكمال الثورة المضادة التي تجاوزت كل مألوف في قاطرة التطبيع والتصهين، واستحقت النظر إليها في العام المنقضي باعتبارها محطة "هامة"؛ لا في سفر تطور الطاغية العربي وتجدد الدعوات لاستعادة الزمن الذي يومئ للركون بحضنه وفتح الأحضان العربية للمحتل، بل في الاطار الأوسع الذي يؤسس لهزيمة محققة لكل الآمال العربية التي تمسكت بأحلام التحرر والمواطنة والكرامة والمساواة والعدالة الإنسانية.

مكسب الزمن خاسر عربياً، مُربح لدوام ديكتاتوريات وطغاة، منغمسون بنشاط وجهد موحد وجماعي، في تذليل الصعاب أمام المشروع الصهيوني الذي بات مطمئناً لسلامته بفضل مده بعوامل القوة الناتجة عن تحطيم الديكتاتوريات العربية للإنسان العربي وتدمير بيئته، للمحافظة على "تفوق" صهيوني مطمئن لملاذ السلطات الحاكمة في الاستثمار الأبدي في القهر والقتل والزنازين واغلاق أفق الحياة.

من المؤكد أن هناك استحالة لسرد كل شيء في هذه المساحة المتواضعة، لكن من الطبيعي تلمس معالم طريق الهبوط والانحدار في فترة قياسية كالحة بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية، تحاصرنا مضامينها من كل جانب، وتدعو لرفع الهمة في هذه الأوقات الصعبة الدموية والتدميرية في شموليتها، بعدما أرسى النظام العربي حالة التحرر والانفكاك من قضيته الأولى نظرياً (فلسطين)، وتشديد قبضته الدموية على الانتفاضات العربية بوجه الاستبداد، وظهور حالة من "الوحدة" العربية المتماسكة بالقمع والاستبداد والقهر والتدمير، لتعزز ما ذهبت إسرائيل والولايات المتحدة وموسكو وطهران وقوى الاحتلال المختلفة من فرض ما نجحت فيه وما أرادت أن يتوافق مع مصالحها.

وإذا أراد أي عربي إجراء مراجعة وجردة حساب لعامه المنقضي، فلا يحصد سوى الخيبات والحسرات المتلاحقة وهو يترقب نجاح جبهة الاستبداد العربي المتحالفة مع كل أعدائه. فالمشروع الصهيوني يسجل "انتصاراته" على أكثر من جبهة عربية عبّدت له البر والجو والبحر وفتحت له غرف النوم. وكل شعارات اللقاءات العربية عن "معالجة كل القضايا السياسية والحدودية والاقتصادية والأمنية والمياه والطاقة والبيئة والتنمية" التي ستُكرر في قمة عربية قادمة أو لقاء ثنائي أو رباعي، تستبدل كل عام بغرض إحكام قبضة النظام الحاكم على مقاليد السلطة ومبادلتها بالتعاون العلني والسري مع الاحتلال الإسرائيلي.

نسف شعار العمل الجماعي تم منذ زمن بعيد، واستعيد مجددا العمل الأمني الجماعي ليحفظ ثنائية المحتل والطاغية العربي. الإنجازات على رأس كل عام جديد تسجل عربياً في مجال انتهاك الحريات وحقوق الإنسان واتساع جرائم الحرب، ومخالفة كل القوانين، ومطاردة المعارضين وإدانتهم بأحكام عسكرية، وهبوط مؤشر الشفافية وحماية الحريات العامة، واتساع دائرة الفساد والفقر والتهميش والقهر والقتل والموت تحت التعذيب؛ في زنازين عربية تضيق كل عام بآلاف تضاف لأرقام مرعبة في دمشق والقاهرة وبغداد واليمن والرياض وأبو ظبي والخرطوم وبنغازي.

الخلاصات العربية في كل المجالات مع طي الزمن، مخزية بكل المقاييس والمعايير. لا شيء نفاخر به على الإطلاق، سوى إحصاء لم يكتمل في دورة العدوان المتواصل من المحتل؛ المفاخر بإنجازات الإطباق على الأرض بالاستيطان في أرض فلسطين، وتوسيع التهويد والطرد والقتل والحصار وعمليات الإعدام للمدنيين، لتلتقي الإنجازات العربية مع نظيرتها الصهيونية لحماية عرش الحاكم وهيكل المحتل.

أخيراً، ونحن نستقبل عاماً جديداً، تبقى الأمنيات من الناحية السياسية معقودة على أمل استعادة الحريات وممارسة الديمقراطية، ومن الناحية الاجتماعية والاقتصادية أن تتحسن أحوال المعيشة وتفتح أسواق المنطقة العربية على بعضها، وتُشرع حدودها لتهزم سايكس بيكو التي يهجوها حكام البلاغة القومجية منذ أكثر من قرن، وأن يستعيد الشارع العربي عافيته من جروح الإدماء. لكن الأمنيات هي الأمنيات، والواقع هو الواقع، والذي يشير كل ما فيه وحوله لسواد حالك.

twitter.com/nizar_sahli